بلند أجويد طلع کوردي..!

   

محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني

 Mohsinjwamir@hotmail.com

في مقابلة أجرتها جريدة الزمان الترکية إعترف فيها رئيس وزراء ترکيا السابق بلند أجويد عن کونه‌ کورديا من جهة الأب.. وأضاف إنه‌ أدرک هذه‌ الحقيقة بعد سنوات طوال، وإن أباه‌ وأمه‌ وجده‌ کانوا يعرفون هذه‌ الحقيقة ولکن لم تکن المسألة تهمهم. وذکر أيضا بأن ما يسمی بالمشکلة الکوردية لا وجود لها في ترکيا، إنما هي مشکلة الأغوات والإقطاع.. ای إن هزات وردات الکورد وما صاحبها من دمار ومن الأمن من إنفلات ومن الأرواح من وفاة، ما هو إلا قول جزاف کان سببه‌ الفقر والبطن والمعاناة ليس إلا..!

يبدو أن إعتراف أجويد يشبه‌ إلی حد ما ومع فارق، ما قاله‌ الشاعر الکوردي المصری أحمد شوقي عن أصله‌ وفصله‌:

سمعت باذني من أبي وهو قائـــــل

من الکورد أصلي، جئت في العرب ناشئا

ولعل شوقي کان أوفر حظا من أجويد، حيث سمع عن كورديته‌ من أبيه‌ دون أن يخشی القوانين الأتاتورکية عهدئذ وينتظر کل هذه‌ السنوات العجاف من عمره‌  اوتشل شفتاه‌ عن التصريح والتلميح بالأمر ونبش السر من دون خوف أو وجل من أجل( بفتح الجيم) قبل الأجل..

عندما کنا شبابا وسمعنا بأن بلند أجويد أصبح رئيس وزراء ترکيـا، قال الكبار لنا بانه‌ کوردي، وللتأکيد ذکروا أن إسمه‌ أيضا کوردي، وبلند في الکوردية يعني ( عال، مرتفع ،سام، رفيع) وهو کلمة کوردية أصيلة، ونادرا ما يمر يوم علی الکوردي دون أن يستعمل هذا الإسم إذا تعلق الأمر بمکان أو وصف مکانة شخص ما..

 أيا ما کان الأمر، قد تکون حالة بلند أجويد کشخص تخصه.. فهو کانسان، حر في إختيار إنتمائه‌ والإنسلاخ من عشيرته‌ وفصيلته‌ التي تؤويه‌، ولا ضير في ذلک، وهو الذي يتحمل کامل المسؤولية.. ولکن الطامة الکبری هی حينما يتعدی الأمر حدود الإختيار الشخصي، ويکون الأمر عملية مبرمجة ومقننة ومؤطرة وظاهرة شمولية تدخل کالسوس في مفاصل المجتمع بأسره‌ وينخرها، عن طريق فرضها بالإکراه‌، شاء الناس أم أبوا.. وبالتالي ظهور حالة الکراهية المکبوتة التي تنتظر الإنفجار في الوقت المناسب، لتتحقق بذلک توقعات سيدة الغناء العربي أم کلثوم في تغريدها " لا بد للمکتوم من فيضان" من شعر " حديث الروح" للشاعر الباکستاني محمد إقبال الذي يقول في مستهله‌:

إذا الإيمان ضاع فلا أمانـي

ولا دنيا لمن لم يحيي دينـا

ومن رضي الحياة بغير دين

فقد جعل الفناء له‌ قرينــا

في العام 1993 نظم حزب السلامة الترکي بزعامة البروفيسور نجم الدين أربکان مؤتمرا إسلاميا عالميا في سويسرا ضم جميع الناس والأجناس من آسيا إلی تکساس، دام يومين.. ودعيت إليه‌..أثناءه‌ طلبت من المسؤولين وبعتاب، تخصيص وقت لي أيضا لأدلوا بدلوي لأني بشر ولست من حجر وأحب أن أخاطب الأحباب، فخصصوا لي عشر دقائق لأتکلم وبسرعة عما لدي من وقائع وحقائق..تکلمت عن مآسي شعب کوردستان وباسمه‌ الصريح، دون أن أبالي الجرح والتقديح.. وعند إنتهاء الجلسة إلتفت حولي مجموعة من كورد شمال کوردستان ( کوردستان ترکيا ) من حزب السلامة يسألونني باندهاش وبوجه‌ باش وکلهم إنتعاش وبالکوردية : هوجه‌ ! هل أنت کوردي ! ألا تعلم بأن الکورد مظلومون..!

وللحق أقول بأن السيد أربکان إستقبل کلماتي بحفاوة وأدب کعادته‌، وکان جالسا بجانب المنصة .. وفي اليوم الأخير قدم کل محاضر نفسه‌، وقلت أنا من کوردستان، واستقبلت کذلک بکل تقدير واحترام‌ بين الأنام..

أنا ما أظن أن السيد أجويد تعرف علی هويته‌ الکوردية أخيرا وعلی الکبر وبعد أن إشتعل الرأس شيبا وازداد الظهر إنحناء ولا يری أمامه‌ دون دليل إلا القليل.. ولکن الألم يعتصر القلب والکدم يزداد عمقا حينما تبنی دولة تدعي الديمقراطية وهي علی أشلاء العنصرية بانية، ولا يعرف الإنسان فيها أولا يجرؤ علی إعلان أصله‌ إلا بعد أن بلغ من الکبر عتيا..

 والأنکی من ذلک هو عندما تصل عملية المسخ إلی درجة، أن يتخرج أناس صناديد من رحم العشيرة وبالتالي يعادونها أشد العداء، کما صار إليه‌ حال المأسوف عليه‌ أجويد الذي قال قبل إعترافه‌ الأخير: لو أن دولة کوردية أسست في الأرجنتين لحاربتها..! وعلی منوال خلفه‌ عصمت إينونو الذي لا يشک في أصله‌ الکوردي إثنان.

يقال الغريق يتشبث بکل حشيش أو قشة.. وعندما يتعرض شعب للإضطهاد، يبحث عما مضی من الأمجاد ويجمع اسماء الأعلام من العلماء والباحثين والرواد، لعله‌ يهدئ من شعوره‌ المبطون بآلام العزلة وانعدام الکيان والإنفراد، ليقول للعالمين : ها أنا موجود.. لم لا تعترفون بي..! وهذه‌ الحالة شملتنا نحن الکورد أيضا بسبب الخلل الذي حصل في ميزان لوزان..وقد حدا بنا الأمر في بعض الأحوال أن کنا نضحک علی أنفسنا لمغالاتنا في ذکر الأمجاد لإعتقادنا أننا نقفو ما ليس لنا به‌ علم.. ولکن يبدو أن الأمر لم يکن خاليا من بعض الصحة برغم أن معلوماتنا کانت تعاني الشحة، وشاهدنا علی ذلک الکوردي أبا عن جد ـ ومن دون مبالغة مرحلة خلط الهزل بالجد ـ السياسي المحنک والبارز بلند أجويد..

إذا أقر السيد أجويد بأنتمائه‌ الميدي ( الکورد سلالة الميديين القديمة ) تری کم من کبير وصغير أوغني اوفقير ولأسباب شتی يکون کشفه‌ عسيرا، مازال أمر کورديتهم في طي الکتمان وليس في الحسبان في ظل ديقراطية آخر الزمان التي لا تسمح لهم أن ينبسوا ببنت شفة لإعلان أصلهم الذي لا دخل لهم في تحديده‌ لکونه‌ من قدر خالقهم الذي خلقهم بهذه‌ الهوية، حتی قبل أن يخيرهم بين الکفر والإيمان‌..؟!

 ثم إن صح أمر أجويد وقد صح وجاء الإعتراف الحق بعد أن ولت الخرافة، ألا تصح الأنباء الواردة والمؤکدة من منظمات حقوق الإنسان بتعرض الکورد للتطهير العرقي وقطع اللسان وتفريغ القری والمدن من أهلها وإسکان غيرهم وتتريکها بحيث أصبحت المطالبة باعادتها إلی أصحابها لا يقابلها إلا الرفض وباستهجان، کما هو الحال أيضا في کرکوک وأخواتها وقامشلو وشقيقاتها ولکن تحت مظلة التعريب وحزامه المريب الذي لا يقره‌ لا الإنجيل ولا القرآن ولا ميثاق حقوق الإنسان..!

والشئ بالشئ يذکر ومن باب مسک الختام، إتصل بي قبل أشهر أحد العارفين بأنساب عوائل وقبائل وعشائر کرکوک ومن فيها من الأنام، وقال لی بالحرف الواحد بأن لديه‌ دلائل قوية بکوردية السيد سعدالدين أرکيج رئيس الجبهة الترکمانية، کاستاذه‌ احسان دوغرمچي وحمزه‌ عثمان که‌ردزي الذي کان من أعدی أعداء الشيوعيين في زمن الحرس القومي، وکان بيتنا يبعد حوالي 50مترا عن مقرهم في محلة العرب في هه‌ولير وکان مقرا لاتحاد الشعب في 1959، ومازالت صيحاتهم وعويلهم نتيجة تعذيبه‌ لهم ترن في أذني..

 وقد قيل لي حول أصل الأستاذ أرکيج قبل إعتراف أجويد، وأهملته‌ ولم الق له‌ بالا وعلی قاعدة إن بعض الظن إثم.. ولکنني الآن وقعت في الشک والريبة وأقول في نفسي قد لا يخلو هذا اللبن من شعرة، کما يقول المثل الکوردي... ونحن بانتظار سلسلة من ألإعترافات وعلی غرار السيد بلند أجويد رئيس وزراء ترکيا السابق .