مسالة كركوك بين الحل
والتاجيل
(*)
الدكتور نوري
طالباني (**)
في سياق البحث عن حل قانوني لمسالة كركوك و مشاكلها بسبب ممارسات النظام العراقي السابق التي عملت على اجراء تغييرعميق في واقعها القومي والسكاني, يتعين الرجوع الى قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الصادرفي 8 ادار2004. وقد جاء في ديباجة القانون المﺫكورانه يضع" الية تهدف فيما تهدف اليه الى ازالة اثار السياسات والممارسات العنصرية والطائفية ومعالجة المشاكل المرحلية في العراق". ان هدا القانون الﺫي يعد الاعلى للبلاد وملزم للجميع بدون استثناء لحين تشريع دستور دائم للعراق, قد اكد في مادته السادسة ايضا على ضرورة قيام الحكومة العراقية " باتخاﺫ خطوات فعالة لانهاء اثار الاعمال القمعية التي قام بها النظام السابق والتي نشات عن التشريد القسري واسقاط الجنسية... ". واوردت المادة الثامنة والخمسون من القانون نفسه حلولا للمشاكل الناجمة عن تلك الممارسات, فنصت الفقرة الاولى منها على ان "الحكومة العراقية الانتقالية ولاسيما الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ﺫات العلاقة تقوم وعلى وجه السرعة باتخاﺫ تدابير من اجل رفع الظلم الدي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة بضمنها كركوك من خلال ترحيل ونفي الافراد من اماكن سكناهم ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها وتوطين الغرباء عن المنطقة وحرمان السكان من العمل ومن خلال تصحيح القومية". ان هده الفقرة تشير الى نقطتيين اساسيتين, فهي من جهة تحدد ممارسات النظام المنافية لابسط مبادئ حقوق الانسان والمتمثلة باجراء تغيير سكاني في منطقة كركوك و مناطق اخرى ايضا, وتحاول من جهة اخرى وضع حل لمعالجتها, ويترتب على ﺫلك ان الحكومة العراقية ملزمة باتخاد خطوات سريعة وفعالة حددتها الفقرات التالية من المادة نفسها لازالة اثار تلك السياسة التي مارسها النظام خلال عقود من الزمن. اما الفقرة (ج) من المادة ﺫاتها فنصت على تاجيل التسوية النهائية لهده المشكلة لحين استكمال اجراءات معينة, منها اجراء احصاء سكاني عادل وشفاف في المنطقة, ولكن بعد المصادقة على الدستور الدائم. ان المادة 58 من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية مخصصة اﺫن لحل المسائل والاشكاليات الخاصة بمنطقة كركوك وغيرها بتحقيق امرين هامين: اولهما ضرورة قيام الحكومة العراقية وهيئات اخرى تابعة لها باتخاﺫ اجراءات محددة بهدف ازالة اثار ممارسات النظام السابق في المنطقة والمناطق الاخرى التي تعرضت الى تلك الممارسات والتي حددتها الفقرات 1 و 2 و 3 و 4 من الفقرة (ا) من المادة المﺫكورة. ثانيهما بعد اكمال وتنفيﺫ الاجراءات المشار اليها اعلاه, تتخد جملة اجراء منها اجراء احصاء سكاني عادل وشفاف فيها, بعد المصادقة على الدستورالدائم, على ان يتم كل دلك بشكل يتفق مع مبادئ العدالة والاخﺫ بنظر الاعتبارارادة سكان تلك المناطق. ان هده الفقرة من تلك المادة تضع التزاما واضحا ومحددا على عاتق الحكومة العراقية يتمثل في انهاء اثار ممارسات النظام التي استهدفت " تغيير الوضع السكاني فيها..من خلال ترحيل و نفي الافراد من اماكن سكناهم ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها, وتوطين الافراد الغرباء عن المنطقة, وحرمان السكان من العمل, ومن خلال تصحيح القومية" من الكوردية والتركمانية الى القومية العربية. والمؤسف ان الحكومة العراقية, السابقة منها والحالية, لم تتخﺫ لحد الان اية خطوة لتنفيد اي من تلك الاجراءات. اما الاجراءات النهائية, وبضمنها اجراء احصاء سكاني في المنطقة, فهي مؤجلة لحين المصادقة على الدستورالدائم. ان الحكومة العراقية لم تباشرلحد الان بتنفيﺫ التزاماتها رغم مرورفترة طويلة على وجودها على دست الحكم, وهوما يضعنا امام سؤال كبيرومحير, هل هي جادة فعلا في تنفيﺫ التزاماتها؟ ام انها تريد كسب الوقت ليضع الجميع في نهاية الامر امام قبول الوضع الراهن بكل الاثار الخطيرة المترتبة على ﺫلك؟ اما تنفيﺫ الشق الثاني من النص فهو مؤجل بحكم القانون, والنتيجة ان لا شيئ تم تنفيﺫه لحد الان. ان تلكؤ الحكومة في تنفيﺫ واجباتها ادى الى خلق حالة من عدم الثقة بين طرفى العلاقة القانونية وهما الكورد والحكومة العراقية, ويؤدي تفاقم هده الحالة الى زيادة تعقيد المسالة بابعادها السياسية واثارها المتشعبة على النطاقين الاقليمي والدولي. كان ابناء كركوك المبعدون من ديارهم قسرا بفعل ممارسات النظام ياملون العودة اليها بعد سقوطه او بعد انهياره بفترة قصيرة, لكن ﺫلك لم يتم, باستثناء قسم منهم. الﺫين عادوا الى ديارهم, ولكن تضاعفت معاناتهم لانهم يعيشون في حالة فقروبؤس وحرمان, فهم يسكنون الخيم في العراء, بدون ماء وكهرباء او خدمات صحية او مدارس لاولادهم, ويعيش معظمهم بلا عمل ولا امل. وينتظر هؤلاء العائدون الى ديارهم منﺫ قرابة سنتين قيام الحكومة باجراءات يستلزمها قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية.عليها, ولكن الى متى الانتظار في تلك الظروف القاسية؟ تنص الفقرة الاولى من (أ) من المادة (58) من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية على ان الحكومة الانتقالية ملزمة باعادة المقيمين المرحلين الى منازلهم وممتلكاتهم, وكﺫا الامر بالنسبة للمنفيين والمهجرين والمهاجرين, وادا تعﺫر دلك, فعلى الحكومة تعويضهم تعويضا عادلا, ولم تتخﺫ الحكومة لحد الان اية خطوة لتنفيﺫ هدا الالتزام.القانوني اما بالنسبة للافراد الﺫين تم نقلهم الى مناطق واراض معينة وهم العرب الوافدون الدين تم توطينهم في المنطقة من قبل النظام بهدف تغيير الوافع السكاني فيها, فان الحكومة ملزمة ايضا بالبت في امرهم حسب المادة (10) من قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الخاصة بالملكية العقارية, لضمان امكانية اعادة توطينهم في المناطق التي جلبوا منها, او لضمان تلقيهم تعويضات من الدولة, اوامكانية تسلمهم لاراض جديدة من الدولة قرب مقر اقامتهم في المحافظة التي قدموا منها, او امكانية تلقيهم تعويضا عن تكاليف انتقالهم الى تلك المناطق, والحكومة العراقية لم تتخﺫ اية خطوة لحد الان بمد يد المساعدة لهم. وهناك حاليا اكثر من 15 الف عربي من الوافدين الى كركوك على استعداد للعودة الى المناطق التي جلبوا منها فيما لو قدمت لهم الحكومة العراقية يد المساعدة. اما الاشخاص الدين حرموامن التوظيف او من وسائل معيشية اخرى لغرض اجبارهم على الهجرة من اماكن اقامتهم, فيتعين على الحكومة ايضا توفير فرص عمل جديدة لهم في مناطقهم, ولم تتخﺫ الحكومة العراقية لحد الان اية خطوة او اجراء تستهدف تنفيد هداالالتزام. ولم تنفد الجكومة التزامها الاخر الخاص بتشكيل هيئة خاصة للاشراف على تنفيد الالتزامات المترتبة عليها بموجب هدا القانون. وكانت حكومة الدكتور اياد علاوي السابقة قد اصدرت امرا بتشكيل هيئة خاصة باسم ( الهيئة العليا الخاصة بتطبيع الاوضاع في كركوك) وعينت السيد حميد مجيد موسى رئيسا لها. وقد اعلن رئيس الهيئة المعين, بعد لقائاته العديدة بالمسؤولين في الحكومة السابقة والحالية ,ان الهيئة على وشك التشكيل وسوف تباشر اعمالها قريبا, دون ان يتم ﺫلك لحد الان,لان الحكومة لم تقم بتسمية اعضائها ولم توفر لها فرص تسهيل مباشرة عملها بوضع ميزانية خاصة تحت تصرفها, كما ينص على دلك قانون تشكيلها. والجدير بالﺫكر ان حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري ملتزمة ايضا بموجب الاتفاق الثنائي المبرم بين القائمة التي ينتسب اليها ( قائمة الائتلاف الوطني الموحد), و(القائمة الكوردستانية) بضرورة تسمية اعضاء الهيئة المدكورة وتوفير الامكانيات المادية وغيرها لها خلال شهر واحد فقط من تاريخ اعلان التشكيلة الوزارية, وها قد مرت على تشكيل تلك الوزارة اشهر عديدة دون ان تتشكل الهيئة. هداعلى النطاق العملي, اما على النطاق النظري فيبدو ان قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية قد احتاط للامربالنسبة لمستقبل منطقة كركوك, فقد نصت الفقرة (ج) من المادة 53 على انه يحق لمجموعة من المحافظات تقع خارج اقليم كوردستان لا تتجاوز الثلاث, فيما عدا محافظتى بغداد وكركوك, تشكيل اقاليم فيما بينها. ان محافظة كركوك مستثناة من الانضمام لاي اقليم كان طالما كان قانون ادارة الدولة للمرحلة الاتنقالية ساري المفعول. والهدف من هدا النص واضح هو منع ضم محافظة كركوك لاقليم كوردستان في المرحلة الحالية. وعلى العكس من ﺫلك, ورد في مسودة الدستور المقترح للعراق وفي مادتها 115 جواز انشاء اقليم من محافظة واحدة او اكثر, بناء على طلب بالاستفتاء عليه. يبدو ان الهدف هنا ايضا هو محافظة كركوك لتتحول الى اقليم خاص خارج اقليم كوردستان وقد اقترح السيد عباس البياتي عضو لجنة كتابة الدستور من القائمة الائتلافية, تحويل محافظة كركوك لوحدها الى اقليم خاص, و اقتراحه هدا لم يات اعتباطا وهو العضو الناشط في لجنة كتابة الدستور. وهكدا فرغم ان النصين القانونيين يتضمنان حكمين متناقضين, الا ان الهدف من ايرادهما واحد, وهو ابقاء منطقة كركوك خارج اقليم كوردستان. اما بالنسبة للمادة 135 من مسودة الدستورالتي نصت على تولي السلطة التنفيﺫية المقبلة استكمال تنفيﺫ المادة 58 من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها, بما فيها (التطبيع والاحصاء والاستفتاء لتحديد ارادة مواطني المنطقة ) في مدة اقصاه الحادي و الثلاثون من كانون الاول(ديسمبر) 2007, فنتسائل عن الضمانات الموجودة التي تمنع الحكومة المقبلة كي لا تقوم بما قامت به الحكومة السابقة والحكومة الحالية في حالة عدم تنفيﺫ واجباتها الدستورية و القانونية او تلكؤها في ﺫلك ؟ خاصة وان الظروف السياسية في العراق في تغير مستمر, و قد اثبت التاريخ اكثر من مرة ان الزمن لم يكن في صالح الكورد, نﺫكرعلى سبيل المثال ماتم الاتفاق عليه في 11 ادار 1970, ثم تنكر الحكومة العراقية للاتفاقية التي وقعت عليها بعد مضي اربع سنوات عليها ,وهو ما ادى الى عودة القتال الى كوردستان وشن النظام البعثي لاشرس حملة عسكرية عليها دون ان تستطيع النيل من ارادة المقاتلين الكورد, فلجات الى حكومة الشاه وابرمت معها اتفاقية الجزائرالمشينة بمساعدة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ووزير الخارجية الامريكى هنري كيسنجر.
لندن 24 ايلول 2005 -------------------------------------------------------- (*) ملخص البحث الدي قدمه الدكتور نوري طالباني في الندوة التي نظمت في لندن في 24 ايلول 2005 بهدف ايجاد حل قانوني لمسالة كركوك. (**) قانوني و عضو مستقل في برلمان اقليم كوردستان
|