متى نشاهد فلماً يروي مآسي شعبنا ويسّطر نضاله في سبيل تطلعاته ؟

                                                                  أحمد رجب

 

يعتبر الشعب الكوردي أحد أكبر الشعوب التي لا يتمتع بابسط الحقوق القومية والانسانية في جميع أجزائه الملحقة قسراً بالبلدان التي تحتلها بإستثناء كوردستان في العراق ولا يجمعه إطار دولة وطنية مستقلة، وقد خاض نضالاً دؤوباً من أجل حقوقه العادلة  والمشروعة وتعّرض لسنوات طوال كما تتعرض اليوم لأشرس وأوسع حملة هيستيرية على يد الأنظمة الرجعية والدكتاتورية الشمولية التي وقفت وتقف ضد تطلعاته المشروعة بتدمير مدن وقرى كوردستان وتهجير السكان الكورد بغية تعريب وتتريك وتفريس مناطقهم نزولاً عند رغبات الحكّام العنصريين والشوفينيين، ففي الجزء الجنوبي من كوردستان فقط، ومن جرّاء سياسة الإبادة الجماعية وعمليات الأنفال القذرة والسيئة الصيت التي إتبعها النظام الدكتاتوري الفاشي في العراق  تمّ تدمير أكثر من أربعة آلاف قرية وقصبة ومدينة وسقط الآلاف من النساء والأطفال شهداء بفعل الأسلحة الكيمياوية السامة والمحرمة دولياً، إضافة إلى آلاف أخرى من المفقودين الذين تمّ العثور عليهم بعد سقوط الدكتاتور الارعن في المقابر الجماعية.

وقد خاض الشعب الكوردي منذ أكثر من قرن كفاحاً صعباً دؤوباً ومتواصلاً ودامياً من أجل طموحاته القومية المشروعة والعادلة، لتقرير مصيره كغيره من الشعوب، غير أنّ هذا المطمح كان يصطدم بإستمرار بمطامع السيطرة العثمانية والصفوية، كما واصطدمت فيما بعد بشوفينية الحكام في البلدان التي ألحقت بها وضمّت إليها كوردستان، حيث أغرقت إنتفاضاته وثوراته التحريرية في برك من الدماء وحرّم من أبسط حقوقه القومية والديموقراطية،وفي المقابل وفي خضم هذه المسيرة التاريخية المشرقة حققت الحركات القومية العديد من المكاسب التاريخية الهامّة في هذا الجزء من كوردستان أو ذاك، إرتقت بالقضية الكوردية إلى مستويات أعلى وأرقى بالنسبة لمهامها الآنية وأهدافها البعيدة. ولكن الشعب الكوردي واجه كذلك العديد من المصاعب والأزمات وأصيب بنكسات خطيرة لأسباب وعوامل موضوعية وذاتية مختلفة، وهنا يجب أن نذكر بأنّ  محتلي كوردستان ينظرون إلى الكورد كجزء من العرب والترك والفرس، لذا فإنّ الكورد عملوا ويعملون ضد هذه التفاهات، وهم ليسوا جزءاً من أمة أخرى، وان أرض كوردستان ليست جزءاً من أرض العرب أو أرض أي محتل آخر.

لا شكّ انّ الكورد لم يقفوا مكتوفي الأيدي على مر التاريخ في الدفاع عن أنفسهم وعن وطنهم المحتل من قبل الأعداء، بل نظّموا قواهم ورصّوا الصفوف وواجهوا المحتلين من الغلاة والمجرمين بإنتفاضات شعبية وجماهيرية وثورات عارمة هنا وهناك في مناطق كوردستان، ولا أسرد هنا جميع الإنتفاضات والثورات التي قام بها الشعب الكوردي، وإنّما أشير إلى بعض الأحداث الحيّة، فعندما تنّكر المحتلون الإنكليز من وعودهم بإقامة كيان كوردي مستقل بموجب معاهدة سيفر جمع الشيخ محمود الحفيد قواه وشن هجوماً كاسحاً على القوات الإنكليزية، وأستطاع السيطرة على مدينة السليمانية، وأعلن تشكيل دولة كوردية، كما أعلن نفسه ملكاً عليها، وأتخذ علماً خاصاً بدولته.

لكن المحتلين الإنكليز استطاعوا إخماد الثورة بجيشهم المنظم وآلتهم الحربية الجبّارة والقبض على الملك الشيخ محمود الحفيد الذي تمّ نفيه إلى الهند خوفاً من عودة الثورة الكردية للاشتعال من جديد، وناضل الكورد نضالاً دؤوباً حتى إستطاعوا بناء جمهورية كوردستانية فتية في الشرق من الوطن المحتل، جمهورية كوردستان في مهاباد برئاسة المناضل الجسور (قازي محمد)، وتبعاً للمصالح الإستعمارية وآلاعيب الشاه المقبور تم القضاء على الجمهورية.

لم يسكت الشعب الكوردي إزاء الأعمال الهمجية التي قام بها عدد من المجرمين الدمويين، وشدّدّ من نضاله البطولي للدفاع عن كرامته وإستعادة حقوقه القومية وبرز المناضل الاسطورة مصطفى بارزاني مرة أخرى بعد أن قاد في الثلاثينات إنتفاضة مسّلحة ضد النظام الملكي الرجعي، وبعد أن شارك بقوة في الدفاع عن جمهورية كوردستان في مهاباد، ليقود ثورة جبّارة ضد الأنظمة الدكتاتورية.

لقد التفّ أبناء الشعب الكوردي وجماهير كوردستان حول الزعيم والقائد البارز في الحركة التحررية الكوردية مصطفى بارزاني، وآمنوا بزعامته وأفكاره واسلوبه في إشعال ثورة شعبية، إذ بدون ثورة عارمة في بلاد تحكمها الدكتاتوريات الشمولية، وبلاد يسكنها طيف من الشعوب والقوميات المختلفة كالعراق، لا تتحقق الأمنيات والتطلعات للشعوب والقوميات المظطهدة.

رغم قساوة السياسة التي أتبعتها قيادات الحكم الجبانة في كل العهود ضد الكورد، ورغم الإرهاب وملاحقة الوطنيين الكورد واعتقالهم ومن ثمّ إعدامهم، وإستخدام الأسلحة الفتاكة لإبادتهم على شكل جماعات وحرق قراهم ومدنهم ومزروعاتهم، إستمر الكورد في نضالهم البطولي بقيادة حركاتهم وأحزابهم الوطنية وقادتهم الذين إلتصقوا مع شعبهم وحقوقه العادلة والمشروعة.

تناقلت وكالات الأنباء ونشرات الأخبار في الفضائيات ومحطات الراديو والتلفزة في الأيام الأخيرة بأنّ الإهتمام ينصّب حالياً في كوردستان لإخراج فلم عن الأوضاع المزرية والكوارث التي واجهت الشعب الكوردي على أيدي الجزّارين والدكتاتوريين والحكومات التي إنتهجت العداء ضده في جميع الأزمنة، وقيل أيضاً بأن أحداث الفيلم سيتناول بسالة الشعب الكوردي والقوميات المتآخية في كوردستان والمناضلين الذين وقفوا مع آلامه من العراقيين ومن العالم، وكما أشيع فإنّ أحداثه تتمحور حول الزعيم الكردي الخالد مصطفى بارزاني قائد الحركة التحررية الكردية البارزالذي ناضل بكل شجاعة منذ صباه حتى رحيله في سبيل الكورد وكوردستان، وعلى هذا الأساس وصل إقليم كوردستان المخرج السينمائي المصري المعروف علي بدرخان، وهو كوردي ومن العائلة البدرخانية الشهيرة التي أصدرت لأول مرة صحيفة كوردستان الناطقة بالكوردية في القاهرة عام  1898وهو نجل المخرج المصري الراحل أحمد بدرخان أحد رواد الحركة الفنية في مصر، وصل في زيارة بهدف التحضير لفيلمه بالإشتراك بين هه ولير والقاهرة وهولَيود.

والفنّان المخرج علي بدرخان معروف في أوساط الفن والثقافة والسينما، فقد أخرج أفلاماً عديدة، وحازت على الجوائز ومنها : الكرنك بطولة: كمال الشناوي، فريد شوقي، سعاد حسني، نور الشريف وعماد حمدي، وفلم الرجل الثالث بطولة : أحمد زكي وليلى علوي،  وفلم أهل القمة والجوع وغيرها.

ينبغي قبل البدء بإخراج فلم عن كوردستان أن لا يكون من الأفلام التي تحتاج أموالاً طائلة وتنتج لخدمة الأسواق التجارية، إذ لا تتوّفر في الفلم التجاري الضوابط التي نريدها نحن الكورد، وبالعكس تتوفر فيه العديد من الثغرات والعيوب وتمتاز بالتسطيح الفكري، ويجب التعامل مع النص السينمائي بحيث يبتعد كلياً عن السذاجة العاطفية التي تسيطر على أكثر الأفلام العربية، وخاصةً المصرية منها.

انّ الأفلام الجيدة يجب أن تعّبر عن المضامين المتماسكة والإرتباط الفعلي بجوهر القضية المراد عرضها، وتعكس أوجه المجتمع، وكانت السينما ولا تزال أجرأ وسائل التعبير عن الرأي، ومن المهم أن نؤكد على الإلتصاق بقضايا الأمة الكوردية برؤى حديثة، وبدرجة عالية من الدقة واليقظة مع الوقائع الميدانية، أو عند البحث في وثائق أو عند معاينة أي أرشيف للمعلومات، وعلى المخرج (أياً كان) أن يملك الشجاعة بقدر كبير في مواجهة التحديات والتعامل معها بإعصاب باردة ، وأن يتمسك بالهدوء، لأنّ الهدوء مطلوب، وينسحب أثره على الفنانين الآخرين من المساعدين والممثلين، كما يتوقف على المخرج مدى مصداقيته عند تناول المواد، والمفروض أن يكون صادقاً لأنّ الأفلام التاريخية غير دقيقة.

لقد جرى في العراق خلال سنوات الحكم الدكتاتوري تكريس الثقافة والفنون، ومنها الفن السينمائي لتمجيد الكتاتور الأهوج صدام حسين ونظامه الدموي، وتكريس النظرة الشوفينية للتاريخ، وأنّ هذا التصّرف كان سبباً من الأسباب التي أبقت الفن السينمائي في العراق متخّلفاً، كما أنّ غياب الديموقراطية هي الأخرى عرقلت تطور ونمو السينما العراقية، إذ لا يمكن بدون الديموقراطية أن تتطّور السينما والعملية الإبداعية.

انّ السينما فن ذو تأثير شعبي وجماهيري هائل، ولا يخفى على أحد بأنّ الأفكار التقدمية ذات التوجه الإنساني كان لها دوراً هاماً في مسيرة السينما وإبداعها وتطّورها وإنتشارها، والسينما واحدة من أقوى وأهم وسائل توعية الجماهير.

وعلينا نحن الكورد أن ننقل ونمارس الدعاية لأفكارنا وطموحاتنا عبر الوسائل الفنية الروائية على شكل أفلام سينمائية ممتعة، بحيث نقّدم للجماهير النماذج الحيّة لشعبنا الذي تعّرّض لمآسي وويلات وعمليات الإبادة الجماعية، وأن نظهرالنضال البطولي في سبيل الخلاص من الأنظمة الدكتاتورية بغية تحقيق النمو والإزدهار والتطّور، ويتوقف علينا ومن خلال هذه الأفلام أن نقوم بعملية تفنيد ودحض الأفكار المشّوهة التي حاولت وتحاول أن تحجب الحقيقة.

أنّ السينما ترتبط إرتباطاً وثيقاً بشخصية البطل، والمهم لنا البطل الإيجابي، الشخصية الرائعة والبارزة، وأنّ كل جيل يحتاج إلى بطله، وفي تاريخ الكورد المجيد توجد أسماء مضيئة لأبطال ضحّوا في سبيل تحرير كوردستان من أمثال: سمكوي شكاك، شيخ سعيد بيران، محمود الحفيد، قازي محمد، الملا مصطفى بارزاني وآخرين، وستبقى مآثر هؤلاء القادة اللامعين العظام، ومأثرة صمود الشعب الكوردي وأبناء كوردستان معيناً لا ينضب لكل وطني غيور، وكل إنسان شريف.

يجب أن تنصّب الجهود من أجل الأفلام الملتزمة بقضايا الشعوب المناضلة في سبيل السعادة والتحرر ومنها الشعب الكوردي، وإبراز الدور الكبير لهذا الشعب الذي قدّم الكثير من تضحيات جسام في النضال من أجل دحر العدو الفاشي، ومن أجل الخلاص من الأنظمة والحكومات الدكتاتورية، لترسيخ مباديء السلام والتآخي بين الشعوب والقوميات والجماعات الأثنية المختلفة.

لقد إقترن اسم الخالد مصطفى بارزاني بسنوات المقاومة ضد الحكومات المتعاقبة من رجعية ودكتاتورية، والتصّدي لإعداء الكورد وكوردستان، وأنّ العبرة الرئيسية لنضالات هذا القائد الفذ هي العمل على جمع طاقات الشعب المناضل لكي يكون موّحداً من أجل قضيته العادلة والمشروعة، الشعب الذي تحّمل كل المشقات بصبر ونضال جسور لكي يثبت للعالم بأنّه شعب لا يقهر.

لذا نريد أن نشاهد الفلم الذي يحكي عن آلام الشعب الكوردي، وعن شجاعته وبطولاته.

نريد فلماً يحرز النجاح لواقعيته وإنسانيته المرهفة في تصوير الحرب الظالمة والقذرة التي شنّتها الأنظمة الشمولية على كوردستان وما نجمت عنها من مآسي وكوارث وإبادة جماعية.

نريد فلماً ذو نزعة إنسانية يكشف جوهر طبع الإنسان الذي يكافح ويقهر العدو.

نريد فلماً يتحدث عن المناضلين العظام والخالدين الذين ضحوا بشبابهم وما يمتلكون من أجل تحرير شعوبهم وأراضي أوطانهم من رجس المحتلين الشوفينيين، ومن أجل السلام بين الشعوب لكي لا تتكرر الحروب القذرة يوماً مع ويلاتها وآلامها ومآسيها.

نريد فلماً يحمل الطابع الإنساني، ويؤّثر على مزاج المتفرجين ودفعهم للتمسك بشعور التفاؤل والأمل، شعور بالإيمان والمستقبل وغد مشرق للإنسانية جمعاء.

28/1/2006