في مقالة سابقة لي حول ضرورة الإهتمام
باللهجات الکوردية**، تناولت اللهجة الفيلية کنموذج للهجات
کوردية قد تنقرض مستقبلا فيما إذا لم تولی بها الإهتمام اللازم
و ذلك لأسباب بينتها في مقالتي تلك، لکنني لم أقصد أبدا و لم
أطلب في تلك المقالة إستخدام هذه اللهجة کلغة للتدريس. ثم عدت
و کتبت في مقالة أخری عن اللغة الکوردية الموحدة و ضرورة إيجاد
حلول مرحلية و أخری مستقبلية و ذلك بسبب الوضع الجغرافي و
السياسي لکوردستان.***
ظهرت علی صفحات المواقع الإلکترونية
مقالات عديدة باللغة العربية تتناول و تناقش مشکلة اللهجات و
إيجاد لغة کوردية موحدة و هذه ظاهرة صحية إن لم تتجاوز هذه
المقالات حدود الآداب و إن هي لم تهمش الآخرين أو تتهمهم بما
ليس فيهم، لکن و للأسف فإن بعض هذه الکتابات تفتقد إلی الاسلوب
العلمي في الکتابة و هي أقرب إلی الإنشاء منها إلی مقالات
لغوية، تتغلب عليها العاطفة و التمنيات و الأحلام البعيدة و
تتصف بالتشنج و التهجم و (النرفزة) و التشکيك في الآخرين و
أتهامهم بمحاولة فرض لهجة أقلية معينة علی لهجة الأکثرية.
أعود لأؤکد بأن الکلام عن لغة کوردية
موحدة لکافة أقاليم کوردستان في الوقت الحاضر موضوع سابق
لأوانه و لا داعي لمناقشته أساسا و هذا الموضوع من الهموم
المستقبلية، و ذلك لأسباب ذکرتها في مقالتي السابقة، لهذا
فإنني عندما أتکلم عن اللغة الکوردية الموحدة فإنني أتناول فقط
إقليم جنوب کوردستان و للتوضيح (إقليم کوردستان العراق).
يتکلم الکورد في هذا الإقليم باللهجات
التالية:
الکرمانجية الشمالية
الکرمانجية الجنوبية
الکورانية
اللورية
من الجدير بالذکر إن اللهجات أعلاه
تتکون کل منها من مجموعة لهجات متقاربة لا ندخل هنا في
تفاصيلها.
أقدم أثرأدبي بالکرمانجية الشمالية هو
أشعار (ملاي جزيري) 1407ـ1481
أقدم أثرأدبي بالکرمانجية الجنوبية هو
أشعار (نالي) 1797ـ1855
أقدم أثرأدبي بالکورانية هو أشعار
(بيساراني) 1641ـ1702
أقدم أثرأدبي باللورية هو أشعار (بابا
طاهر الهمداني) 953ـ1010
(أنظر تاريخ الأدب الکوردي للمرحوم
علاءالدين السجادي، مطبعة المعارف بغداد 1952باللغة الکوردية)
لکننا لو أخذنا النصوص الدينية المکتوبة
بهذه اللهجات لشاهدنا بأن:
أقدم أثر مکتوب بالکرمانجية الشمالية هو
الکتاب المقدس للأيزيديين (مصحفي رش)
أقدم أثر مکتوب بالکرمانجية الجنوبية هو
أشعار بير أحمد الکرکوکي عاش في القرن السادس للهجرة.
أقدم أثر مکتوب بالکورانية هو أشعار
بهلول الماهي، عاش في القرن الثاني للهجرة و هو من رواد و
مبشري اليارسانية (الکاکائية)
من الجدير بالذکر أن البير أحمد
الکرکوکي کان هو الآخر رجل دين من طائفة الکاکائية، إلا أن
الکتب المقدسة لدی هذه الطائفة کلها مکتوبة بالکورانية و أشهر
هذه الکتب هو کتاب (سرنجام).
نعود إلی اللغة الموحدة فنقول بأن لغة
الدراسة في إقليم جنوب کوردستان کانت الکرمانجية الجنوبية
لوحدها، لکن الکرمانجية الشمالية (باللهجة البهدينانية) أعتمدت
في السنوات الأخيرة کلغة الدراسة في منطقة بهدينان أما ساکني
المناطق الأخری من هذا الإقليم فما زالوا يستخدمون الکرمانجية
الجنوبية، و بما أنني تناولت في مقالتي السابقة خطورة إستخدام
أکثر من لهجة واحدة کلغة للتدريس فلا داعي لإعادة ما قلته
سابقا.
لکن کيف الحال مع اللهجتين الأخريتين؟
فقد قرأنا علی صفحات الإنترنيت بأن الناطقين بالهورامانية
(تدخل ضمن الکورانية و يتکلم کاتب المقال بواحدة من لهجاتها)
يطالبون أيضا بدورهم بالدراسة بلهجتهم الخاصة****، و لاعيب في
ذلك فما يحق للآخرين يحق للهوراميين أيضا، و ما دام الأمر کذلك
لم يبقی إلا الناطقين باللهجة الفيلية (تدخل ضمن اللورية) و في
تصوري و بما أن هذه اللهجة هي واحدة من اللهجات المهددة
بالإنقراض (راجع مقالتي عن الموضوع) فلم لا نعطي لهم الحق أيضا
للدراسة بلهجتهم، عندها يدرس أطفال الکورد کل بلهجته الخاصة و
تتطور کل واحدة من هذه اللهجات إلی لغة لحالها و بعد أقل من
عشرين عاما لا تجد هناك لغة مشترکة بين الناطقين بهذه اللهجات،
ربما الإنکليزية، هل هو هذا الذي يريده الداعيين إلی تعدد
اللهجات في التدريس؟
لکن ألا يحق للآخرين ما يحق لي؟ أو
بالأحری کيف نحل المشکلة؟
في تصوري هناك حلين، أحدهما هو أن يکلف
برلمان کوردستان المجمع اللغوي الکوردي لدراسة الموضوع بدقة و
تمحص و إقتراح لهجة واحدة کلغة رسمية يفرضها البرلمان بعد ذلك
بقرار و يلتزم به جميع الناطقين باللهجات الکوردية المختلفة (و
شخصيا أحبذ هذا الحل)، أما الحل الثاني فهو إقرار لهجة واحدة
کلغة رسمية في کافة أنحاء الإقليم و تدرس إلی جانبها اللهجات
المحلية کل في منطقتها، أما إذا کانت اللهجة المحلية في منطقة
ما هي الرسمية فتدرس إلی جانبها لهجة أخری، مثلا:
لو إفترضنا بأن البرلمان أقر الکرمانجية
الشمالية کلغة رسمية للإقليم عندها تدرس في منطقة بهدينان
الکرمانجية الجنوبية بالإضافة إلی الکرمانجية الشمالية و التي
أقرت کلغة رسمية، أما إذا أقرالبرلمان الکرمانجية الجنوبية
کلغة رسمية عندها يدرس الناطقين بهذه اللهجة الکرمانجية
الشمالية أيضا. أما الناطقين بالهورامانية فإنهم يدرسون لهجتهم
بالإضافة إلی اللغة الرسمية و کذلك الحال مع الناطقين
بالفيلية. بذلك ستکون اللهجة التي أقرت کلغة رسمية قاسما مشركا
بين الجميع بالإضافة إلی أن اللهجة المحلية تدرس کل في منطقتها
علی أن يحدد عدد سنوات الدراسة باللهجة الإضافية طبقا لسنوات
التعليم الإلزامي.
-----------------------------------------------------
* کان الإخوة من البشمرکة الهوراميين
أيام الثورة و علی سبيل المزاح قد رفعوا شعار(الديموقراطية
لکوردستان و الحکم الذاتي لهورامان).
**http://www.pukmedia.com/arabicmaqalat/fahmy.pdf
***http://www.krg.org/columnists/columnist_detail.asp?ArticleNr=14463&LNNr=35&RNNr=69&LangNr=14&ColumnistNr=106
****http://www.sotkurdistan.net/index.php?mod=article&cat=kurdistan&article=4261 |