طوز بين الماضي والحاضر

 

                                          

                                                                احمد محمد  كومه يي

                                                              عضو المجلس الاستشاري في طوز خورماتو

  نبذة تاريخية عن المدينة :

 

    يعتبر قضاء طوز خورماتو من البلدات القديمة ، وتمتاز بطابعها الحضاري والفني الذي تركته بصمات الشعوب والأقوام التي مرت بهذه المدينة الموغلة في القدم، وتشير الدلائل التاريخية إلى أن قدم هذه المدينة يرجع إلى أكثر من 4000 أربعة آلاف سنة، وطوزخورماتو أو " دوز "  كما يلفظها الأهالي مدينة من طراز خاص فهي ما زالت محتفظة بتقاليدها القديمة و كانت طوال القرون الماضية عبارة عن عدد من الخانات لمأوى المسافرين. واليوم هي محطة عبور واستراحة بين أهم مدن العراق  بغداد ،كركوك ،تكريت،سليمانية، وتقدم المدينة خدمات مهمة للوافدين والمسافرين بفضل المطاعم ومحلات بيع المرطبات والفواكه، وبعض الأعمال اليدوية كالجرار وغيرها من الأواني الفخارية على الشارع العام، ولازالت طوزخورماتو تعيش على عادات وتقاليد مدن بلاد الرافدين القديمة فأشياء كثيرة فيها تعبق برائحة التاريخ، وناسها الطيبون ما زالوا كذلك كما وصفهم المستر " ريج " في كتابه عن رحلته في العراق قبل قرون. وقد أجتهد البعض في البحث في ترجمة أسمها ومدلولاته التاريخية والإجتماعية، فهناك من رأى بأنها وردت في الكتب التاريخية القديمة باللغة البابلية باسم ـ خوشيتو ـ أي المدينة المحصنة أو المنيعة  نسبة إلى قلعتها التاريخية المشهورة الشامخة والمعروفة بقلعة "  كاورين "  المبنية على قمة جبل طوز المطل على نهر " آوه سبي " ،وتعود بنائها الى العصور التاريخية القديمة الآشورية والبابلية والى فترة حكم الملك البابلي ـ حمورابي ـ الألف الثاني قبل الميلاد، ولقد عثر فيها على آجرة مدونة فيها أسم المدينة ـ خوشيتو ـ باللغة البابلية، وكان الكورد يسمونها قديما بـ " فريشته " أي مسكن الملائكة والأولياء الصالحين.                                

وهناك رأي آخر يقول بان طوز خورماتو كانت قرية صغيرة بناها جماعة من اليهود وكان كبيرهم أسمه " متي " وكانوا يعملون بالتجارة العامة، والحرف اليدوية كالنجارة والحدادة والصباغة، وبّنوا فيها خان كبير لمأوى القوافل والمسافرين والوافدين اليها، وقد بنيّ الخان على الضفة الشمالية من نهر آوه سبي ولهذا سميت المنطقة باسم " خرمتي ". ولقد لعب موقع المدينة دورا كبيرا ومهما في سهولة الاستيطان البشري، وأصبحت طوز منطقة لتجمع الوافدين اليها من الشمال والشرق ومن كافة أرجاء المنطقة، وبذلك أصبحت كنقطة التقاء القوافل التجارية.                                              

 ويقول الدكتور شاكر خصباك : بأن طوز مدينة تقع على سفح جبل في موقع واسع وغني بالثروات وتتميز بنخيله الفاخرة كما توجد في المدينة عدة ينابيع مياه معدنية مفيدة، ويستخرج من أحد الينابيع "الملح" الذي يعتبر من أنقى وأجود أنواع الملح في العراق ومعروف بـ " خيولان " والعين الثاني عين كبريت " كه راو"  وعين حامض الكبريتيك ، " تورشاو ".  وهناك رأي آخر يقول بأن تسميتها جاءت من الكلمات المحلية الثلاثة " دوز " ويعني بالتركمانية الملح، و" خورما " تعني بالكوردية التمر، و" تو" وهذه أيضاً كلمة كوردية تعني التوت، كي تصبح في نهاية الأمر " دوز خورماتو " وهو واضح بأن هذا الإسم مركب من عدة أسماء كوردية وتركمانية، لكن هذا الرأي ضعيف ولا يحضى بقبول وتأييد المؤرخين، حيث لا يوجد في المدينة إلا عدد ضئيل من أشجار النخيل وكذلك الحال بالنسبة لأشجار التوت. وأما عين الملح فهو موجود على الضفة الجنوبية من النهر.                                  

لكن الرأي الأصوب حول تسمية المدينة والذي يمكن الركون أليه هو ما قام به الدكتور كمال مظهر أحمد  من تحقيق في كتابه " كركوك وتوابعها حكم التاريخ والضمير ـ دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق " حيث يقول : " أن الخوريين، الذين حكموا بلاد آشور على مدى قرن من الزمان، هم الذين شيدوا، دون ريب، عدداً من توابع كركوك أهمها طوزخورماتو التي تحمل أسمهم حتى اليوم، فأن أسم المدينة الأصلي هو خورماتو، المشتق مبنى من كلمتي خور، أي الخوريين، وماتو التي تعني المدينة في الأكدية، فيكون معنى الاسم مدينة الخوريين. وظل خورماتو متداولاً في العصور الإسلامية " وهنا يشير الدكتور إلى أحدى المصادر في الهامش ـ تاريخ الغياثي ـ دراسة وتحقيق طارق نافع الحمداني، بغداد ، 1975 ص 90 "  ولغاية أواخر القرن التاسع عشر دون أن يفقه الناس معناه الأصلي " كما يشير الدكتور أيضاً  في مكان آخر من كتابه : " كما أسلفنا بقي الإسم متداولاً بصيغته الأولى، أي خورماتو، حتى أواخر القرن التاسع عشر، فقد سجل الرحالة الإنكليزي جيمس بكنغهام في العام 1816 الإسم هكذا، كما ورد لدى المنشئ البغدادي في العام 1820 بصيغة مقاربة ".            

ويعرف طوز أداريا في العراق بهذا الأسم وأما باللغات العامية يعرف بـ " دوز " .                  

نزحت إلى هذه المنطقة قديماً أقوام أخرى منهم الساسانيون الذين سيطروا على العراق حتى نهاية ظهور الدين الإسلامي وأنتشاره في المنطقة، وقد بقيت المدينة تابعة معنوياً وأدبياً إلى رؤساء العشائر الكوردية المنتشرة في المنطقة وإلى الأمارات الكوردية القوية لا سيما أمارة بابان، وانتهت أخيراً بالسيطرة العثمانية المباشرة على العراق بشكل عام دون أهمال النفوذ والدور الكوردي على المدينة والمناطق المحيطة بها . وشهدت المدينة في العصر العثماني نوعا ضئيلا من النمو أذ أهتموا بها بأعتبارها تمثل محطة ومعبر للقوافل التجارية ومعسكراً للجيش العثماني ليس إلا،  ولم تحضى المدينة من الناحية العمرانية شيئا يذكر سوى سوق القيصريات، وبعض الخانات في المدينة. توسعت المدينة بشكل ملحوظ مع تطور التجارة وزيادة السكان، لعدم قدرة المدينة القديمة على أستيعاب هذه الزيادة من السكان، لكن الملفت للنظر هو عدم صيانة المباني القديمة من قبل السلطات المحلية آنذاك  ورفع مستوى خدماتها تماشيا مع التغيرات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، ومن العوامل الأخرى التي أدت إلى تطور المدينة هو التغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على السكان، وبالتالي تغير المفهوم العمراني وبالذات على صعيد المعايير السكنية.وهذا ما أدى إلى توسع المدينة بشكل ملحوظ وتراكمي على شكل حلقات متتابعة ترسم نهاياتها الشوارع الدائرية المحيطة بالمركز القديم. ويعيد هذا إلى الأذهان خصائص النمو التراكمي بشكل حلقات متتابعة، وتعد الخطة الدائرية للمدن من الخطط  الشائعة والمعمول بها، حيث تخطط شوارع المدينة بشكل حلقات أو دوائر تحيط الواحدة بالأخرى، وأستمرت المدينة بالنمو والاتساع حتى تجاوزت البساتين والأراضي الزراعية المحيطة بالمدينة في الجنوب والغرب وبالتحديد منذ الثمانينيات. وأما من ناحية الشرق فلم تتسع سوى نسبة ضئيلة لعدم وجود أراض ٍ منبسطة  ومسطحة، فلذلك اتسعت المدينة باتجاه الغرب حيث شملت كافة الأراضي الواقعة بين مركز المدينة ومشروع ري صدام. وفي الآونة الأخيرة شمل توسع المدينة الأراضي المحاذية  للشارع  العام ، بغداد ـ كركوك. ويمكن أعتبار المدينة اليوم من ضمن مجموعة المراكز الحضرية ذات البيئة الثنائية التي تجمع بين القديم والحديث فهي لا تتبع خطا ً واحدا في التوسع.

 

الموقع الجغرافي لقضاء طوز                                                                   

ـــــــــــــــــ                                                               

في معالجتنا للواقع الطبيعي لقضاء طوز سنتطرق إلى المواقع التالية:

1 ـ الموقع التضاريسي                                             

2 ـ الموقع الفلكي                                                   

3 ـ الموقع السياسي ( الإداري ) وسنبحث بشكل موجز تلك المواقع.

 

الموقع التضاريسي:                                                                           

ــــــــــ                                                                             

ونقصد به أشكال سطح الأرض المحيطة بالقضاء، ومما يذكر بأنه لا توجد ظواهر تضاريسية بارزة يمكن الاعتماد عليها في وضع حدود طبيعية للقضاء وتمييزه عن المناطق الأخرى، فهي من جهتها أراض متموجة قريبة الشبه بالمناطق الجبلية، ومن الجهة الجنوبية أمتداد للسهل الرسوبي وأراض ٍ منبسطة، وأما من الجهة الشمالية فيشكل نهر " روخانة " أبرز ظاهرة تضاريسية الواقعة ضمن حدود قضاء داقوق ، ويحدها نهر " زركة " من جهته الغربية.                                           

 

الموقع الفلكي:                                                                                 

ــــــــــ                                                                            

يقع قضاء طوز من حيث الموقع الفلكي بين دائرتى عرض 43 0 ـ 34 0 ـ  شمالا، وخطي طول   48 0 ـ 44 0 ـ شرقا.                                                                           

 

الموقع الاداري:                                                                               

ــــــــــ                                                                             

ترتبط مدينة طوز أداريا في الوقت الحاضر بمحافظة صلاح الدين، وكانت في السابق من الأقضية  المهمة التابعة لمحافظة كركوك في أقليم كوردستان، وأنها تقع إلى الشمال من مدينة بغداد العاصمة بمسافة 170 كم . أما حدودها ... فتحدها من الشمال قضاء داقوق، ومن الجنوب قضاء كفري وناحية جبّارة، ومن جهة الشرق تحده محافظة السليمانية. وتحتل مدينة طوز موقعا شرقيا بالنسبة للمحافظة وشماليا بالنسبة للعاصمة.      

أما المعالم العامة في طوز من حيث الديانة والمراقد وعيون المياه المعدنية والكهاريز " الكهريز عبارة عن قنوات وأنفاق تحت سطح الأرض تربط آبار المنطقة لتوزيع المياه " .                           

 يوجد في القضاء عدة مراقد منها مرقد الامام أحمد ومرقد أو مقام الامام مورسى علي ومرقد الشيخ محسن، ويعود بناء بعض هذه المراقد إلى مئات السنين ولا يعرف تاريخ بنائها.أما الكهاريز والعيون المعدنية فتقع تلك الكهاريز والقنوات المائية إلى الشمال من ناحية " نوجول " وفي قرية " كومه يي "، وهذا يدل على مدى تقدم نظام هندسة الري لغرض القضاء على ظاهرة الجفاف في حدود القضاء ويذكر بان القائم بأغلب تلك الكهاريز كان رجل من عشيرة الداوده الكوردية  " الداوودي " يدعى " فتاح صفوك"  وهو من قرية " جه وري " ، فحفر هذا الرجل أغلب الكهاريز في " قالخانلو " و "آغجه " في عملية فنية نادرة دون أية آلات ومعدات هندسية حديثة حيث كان يحفر بئر ما في منطقة غنية بالمياه ليوصله بنفق تحت سطح الأرض إلى آبار أخرى تشكو من شحة المياه في مناطق بعيدة وبهذه الطريقة الفنية أستطاع أن يغذي تلك المناطق بالمياه الصالحة للشرب.                                

 ومن أهم العيون المعدنية في القضاء : 1 ـ عين الملح (خيولان ) وتقع هذه العين في شرق المدينة، وعلى الضفة اليمنى من نهر " آوه سبي "، ويستخرج منها مادة الملح ويعتبر ملح طوز من الأملاح الفاخرة والممتازة الغنيّة باليود. 2 ـ عين كبريت (كه راو) وتقع هذه العين الى الجنوب الشرقي من المدينة، وعلى صفحة تل ويستفاد من ماء العين لمعالجة العديد من الأمراض الجلدية ( الحساسية).   

3 ـ عين حامض الكبريتيك : ويمتاز ماء هذه العين بأنه حامض وفوّار فيستخدم ماء تلك العين أيضا لمعالجة الأمراض الجلدية ، وتقع هذه العين في نهاية السلسلة الجبلية الواقعة بين طوز وكفري.      

 

احمد محمد علي الملقب ب كومه يي                                                         

 

من مواليد قرية غره ـ طوز عام 1952.                                                    

أكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة في طوز                                                  

والاعدادية في ثانوية الأماني المسائية في كركوك.                                           

عين عام 1975 أمينا للسجل المدني في كفري.                                              

دخل جامعة بيروت عن طريق المراسلة كلية الآداب قسم الفلسفة.                             

ولم يواصل تعليمه الجامعي بسبب التحاقه بالخدمة العسكرية.                                

له أبداعات شعرية وقصصية منشورة في بعض المجلات والصحف المحلية.                

يشغل حالياً عضو المجلس الأستشاري لقضاء طوز.