لكم دينكم وللكورد دينهم أيها الكتَبَة المُكَذبون ! |
محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني طلع علينا احدهم في المواقع العربية بمقالته الموسومة ( الرسالة العراقية في المسألة الكوردية ) .. فهو كدَأبِ إخوانه وأصحابه ورفاقه من الكتبة، لا ينظر في أقواله إلى الكورد إلا من صرح فرعون السادي المؤطر بنظرية ( يا أيها المَلأ ما علِمتُ لكُمْ منْ إلهٍ غيرى ) ولا تنطلق تهوساته ومماحكاته وطغيانه إلا من منطلقات أبي لهب وأبي جهل الموثقة بأطروحة ( وما نراك اتبَعكَ إلا الذينَ هم أراذلنا بادى الراى )..أي الكبرياء لهم وغيرهم تُبَّع، لهم القيام وعلى غيرهم السجود، لهم الأمر والنهي وعلى غيرهم السمع والطاعة، هم الماء والكورد فقاعة.. لهم التيجان والنياشين ولغيرهم العبودية إلى يوم ( تأتى السماء بدخان مبين ).. تأريخهم رصين وأصلهم متين وبنيتهم قوية، وغيرهم مساكين لا يجمعهم جامع ولا تحويهم أرض ولا تظللهم سماء وقادتهم عملاء لا اصل لهم ولا هوية.! وكأن الله لم يرسل رسوله إلى قوم قتلتهم القبلية وأهلكتهم العصبية الجاهلية، ولا سجدوا يوما لصنم اوحجرْ وما وأدوا البنات ولم يوبِّخهم ربهم على هذا التحجر وما زَجَرْ ( وإذا المَوؤدة سُئلت بأىِّ ذنبٍ قتِلتْ ؟!).. ولم ينزل في وصفهم ما يندى له جبين الجان والبشر ( وإذا بُشِّر احُدُهُم بالأنثى ظلَّ وجهُهُ مُسْوَداً وهو كظيمٌ. يَتوارَى منَ القومِ مِنْ سوءِ ما بُشِّرَ بهِ، أيُمسِكُهُ على هُونٍ أمْ يَدُسُّهُ في التُراب ؟ ألا ساءَ ما يَحكُمون ! ).. ولم يقل في حقهم ( الأعرابُ أشد كفرا ونِفاقا ).. وكل شئ عندهم تمامْ، سواء في حلهم او ترحالهم أو في يقظتهم او في المنامْ .! أنا لا أزكي أحدا ولا شعبا، ولكنني أحسب ـ وبالمقارنة ـ أنه لم يكن هناك شعب من الشعوب الإسلامية أصدق قولا وأوفى عهدا مع الشعوب المجاورة، كالكورد.. ولا أعتقد أن التأريخ سجل لشعب سيرة وسَيْراً أنظف وأنقى مع غيره في العلاقات والود، كشعب كوردستان.. ولا أتصور بأن ثمة أمة أعطت نفسها للإسلام بقلمها وأدبها وفتاواها وعمقها في الدين، كأمة الكورد.. ولا يخال إليّ أن قوما دافعوا عن المقدسات الإسلامية وفي الأوقات الصعبة العصيبة، مثل الكورد. وفي المقابل لا يحضرني أي فضل أو مناصرة جوبه بها الكورد من الذين كانوا هم لهم في أوقات المحن والشدائد، سندا وعضدا، إلا ما ندر ومن مجموعات أو أشخاص يجب رصدهم رصدا.. بل أغلب الذين دافع عنهم الكورد وصدوا عنهم رماح الأعداء، قلبوا لهم ظهر المجن وخانوهم، وصاروا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا كي يُبيدوهم جمعا ومفردا. فبعد كل هذه المساهمات التأريخية والمعطيات، وبعد كل ما جرى لهم من مؤامرات مبرمجة يعرفها القاصي والدّاني من مذابح وأنفال ومقابر جماعية وحلبجة وتصفيات وتشريد وتعريب وتطهير عرقي لأهلنا في خط التماس مع العراق في مدن وسهول سنجار وشيخان ومخمور وكركوك وكرميان وخانقين وبدرة وجصان وزرباطية والأجزاء الأخرى من كوردستان وما حصل للكورد الفيليين والايزيديين، يأتي أحد الكتبة واصفا الكورد بأنهم لا يملكون تأريخا واضحا وليسوا بأكثر من عدة قبائل وعشائر جبلية إقطاعية، وما أن تنتهي الجبال وتبدأ السهول حتى ينتهي وجودهم ويبدأ التواجد العربي والتركماني بالحلول.! و كأنَّ تأريخ الكورد يتراءى ( كظلماتٍ في بَحْرٍ لُجي يَغشاهُ مَوْجٌ مِنْ فوقهِ مَوْجٌ مِنْ فوقهِ سَحابٌ، ظلُماتُ بَعْضُها فوْقَ بَعْضٍ، إذا أخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكدْ يَراها ) ولم يطلع عليه مؤرخ ولا كتب عنه باحث، وإن جغرافيتهم ( كسَرابٍ بقيعةٍ يَحْسبُهُ الظمآن مآءً ) ولم يمر عبرها رحالة ولم تشهد لها المواثيق.. ولغتهم متأصلة بالفارسية أو بالأحرى خراسانية، وإضافة " خراسانية " هذه هي عبقرية جديدة لم أسمع بها سابقا. اما أصالة الوجود العربي في السهول فهذه إسطورة لا يؤمن بها إلا كذاب أشر ويرفضها كل إنسان لديه أدنى إطلاع بتأريخ التعريب وما حصل.. والمستوطنون المحتلون الذين مازالوا جاثمين على أرض كوردستان، أدرى من هذا الرجل الجاهل بتأريخ مجيئهم وبمن جاء بهم، وبالتالي لا تاريخ لهم بدون جغرافية، ولا جغرافية لمن إحتل الأرض، ولا فرق بين الذي يغتصب الأرض وبين ذاك الذي يتعدى على العرض.. واما الوجود التركماني والمفترض أن يكون أكثر من الوجود العربي بطبيعة الحال، فالمقعد اليتيم الذي حصلت عليه الجبهة التركمانية ـ وهي اشهر تنظيم يدعي تمثيل التركمان ـ في البرلمان الإتحادي، كاف لتكذيب هذا الإدعاء أيضا من خلال الأرقام المعلنة في الإنتخابات الأخيرة. وفوز الكورد في كركوك بالأغلبية كان أقوى صفعة تأريخية وخيبة نالها الأدعياء ( إن تتبعونَ إلا الظنَّ وإنْ أنتمْ إلا تخْرُصونَ ) على الرغم من أن الكثير من الكورد لم يتسن لهم التصويت لكونهم يسكنون خارج المحافظة. وما يدعيه هذا الرجل بصدد لغة الكورد وكونهم لم يعرفوا القواعد والأصول إلا في الفترة الأخيرة واستنبطوها من الحروف العربية والفارسية وحسب النطق العام، وهي خليطة لعدم وجود تناغم وتجانس بينهم .! فهذا الكلام لا يقوله إلا من جهل علم اللغة وأحوال لغات المنطقة ولا يرى ابعد من ارنبة انفه.. فبرغم القرابة بين اللغتين الكوردية والفارسية لكونهما من نفس المجموعة كما هو الحال مع العربية والعبرية وبقية اللغات، فإن أكثر اللغات الأسلامية التي خرجت عن سكتها اللغوية والمفرداتية كانت الفارسية وتلتها التركية، حيث يبدو للسامع لهما وكأنهما لهجتان من اللغة العربية لكثرة ما فيهما من مفرداتها وتأثرهما بها، عدا عن الكثرة الكاثرة من الكلمات الفارسية والكوردية في التركية والتي تشكل في مجموعها قاموسا لا بأس به، هذا ناهيكم عن المفردات اللاتينية التي دعا إنبعاث السيد أتاتورك إلى إشاعتها.. ومن يشك في هذا القول، ما عليه إلا أن يتصفح أي جريدة أو كتاب تركي لتتبين له تلكم الحقيقة. واللغة الوحيدة في الشرق التي احتفظت باستقلاليتها لحد اللحظة هي الكوردية والتي نادرا ما تجد فيها كلمة مستوردة، مثلها في ذلك كمثل اللغة الفنلندية. ولا أقول هذا إنتقاصا من قدر التركية والفارسية أو تحدي اللغة العربية التي لها مكانة خاصة لدينا ونحبها حبا جما لأنها لغة ديننا وتعبدنا على الأقل، أوإضفاء المديح على اللغة الكوردية وإيصالها إلى قمة المجد وتبرأتها من الشوائب والنواقص وما أكثرها، فلكل لغة مشاكلها ولكن كلها في النهاية جميلة وبديعة.. وليس ثمة لغة في العالم ليس فيها نقاط قوة أو ضعف أولا تتبادل المفردات مع الأخرى أولا تستفيد اولا تؤثر أو تتأثر بطريقة أو أخرى، وهذا قول علماء اللغة وليس قول العبد الفقير. وبرغم الإضطهاد ومحاولة المحتلين والغزاة فرض لغاتهم بالقوة لا نشرها بالود ومن باب التجاور والأخوة، وتهميش اللغة الكوردية عن عمد، فان الأدب والشعر الكورديين ومنذ مئات السنين أثبتا جدارتهما في ترسيخ اللغة الكوردية وإثراءها، وبالتالي سَهَلاّ الدخول إلى عالم كتابة المناهج بمختلف صنوفها، وما تجربة حوالي 40 سنة من الدراسة باللغة الكوردية في جنوب كوردستان إلا خير مثال على صدق هذا الإدعاء. ولو صدق العهد والوعد ونفذ الدستور الإتحادي وجُعلت العربية والكوردية كأنهما ( الياقوت والمرجان ) وأصبحتا توأمين ( فاكهة والنخل ذات الأكمام ) في محافل العراق وكوردستان، حينئذ وجب قول ( فبأى آلاء ربكما تكذبان ؟!). أما مسألة تغيير الحروف الكوردية الحالية إلى اللاتينية، فنقول لهذا الدعي بأن هذا ليس قرارا رسميا كورديا والمناهج المعتمدة في كل جنوب كوردستان هي بالأحرف العربية والتي يمكن تسميتها بالحروف الإسلامية ـ أو حتى الكوردية مجازا ـ لأننا نحب الاسلام الذي مثلما أنقذ العرب من عبادة ( اللات ) و ( العزى ) و ( مناة الثالثة الأخرى ) كذلك وهبنا عقيدة توحيدية نقية صافية.. وكما أنقذ العرب من الذل والهوان ومن الجاهلية والقبلية وجعلهم أعزة به، حرَّرَنا أيضا فإقتبسنا من نوره وقبلناه ورحبنا به واطمأنت قلوبنا بتعاليمه، وأعطيناه بالتالي أعظم رجل في التاريخ له شأن وكيان وهو صلاح الدين الأيوبي الذي حمى المنطقة من الضياع وإنهيار في السلطان.. في حين لا ينبس هذا الكاتب أو ذاك الذي خُتِمَ قلبه بالتعصب والعصيان ولو ببنت شفة عندما يتكلم عن اللاتينية، عن الأتراك الذين ( ابتغوا الفتنة من قبل ) وإنقلبوا على الحروف العربية بسحرهم وجعلوا عاليها سافلها وأصبحوا يبشرون بها وصاروا هم قدوة للآخرين، لا الكورد في كوردستان.. ولا يعلم بأن رواجها بين كورد شمال الوطن، ناتج عن الإضطرار وعدم وجود بديل رسمي لحد الآن. أنا لا أريد الإستطراد والتطويل، ولا أريد الخوض في المقارنات والمشادات الكلامية وإتيان مزيد من الدليل في البديهيات، وإثبات أن الكورد كانوا بدعا من الشعوب الشرقية وإنهم وصلوا إلى القمر بعد ان حاول عباس ابن فرناس العربي الصعود إليه وفشل.. أو أن أقول أن الكورد لم يحدث بينهم قتال ومناوشات وغارات وثارات وإنهم كانوا ملائكة ذوات أجنحة في السماوات، وغيرهم لم يُقصِّروا في ضرب الآخرين بأَسوَإ الأسلحة حين حكموا وتحكموا في العباد والبلاد.. أوأقول بأن الكورد لا يصح عندهم إلا الصحيح، وغيرهم في المنطقة إذا أخذوا بزمام الشعوب قطعوا لسانهم عن التحدث بلغتهم ومنعوا عنهم حتى فتح قناة تلفاز أو محطة راديو حرة في القرن الواحد والعشرين.. أو أقول بأن الشعوب الأخرى هم من نسل الجن وكُشفَ عنهم الغطاء، ولكن الكورد خير كائن في الأرض والسماء.. أو أقول " ما أسعد من قال أنه كوردي "، ولكن ما أتعس من إنتمى لغيرهم.. وكذلك لا أقول بأن قبائل الكورد كانوا أشد الناس بأسا لأنهم أتوا من أواسط آسيا دفاعا عن حياض الدين الذي إنبعث أصلا من مكة المكرمة ولم يكن هناك حاجة لتصديره من هناك ثانية بالخيول تحت إسم الدعوات والغزوات، ولكن غيرهم في أوطانهم وعلى أرضهم كانوا ضعفاء لأنهم رحبوا بهم وتحملوا بالتالي كل حماقاتهم وسفاسف حضارتهم المزعومة والتي صارت من بعد أحاديث موهومة.. لا، لن أقول في هذه الفقرة لا هذا ولا ذاك ! ولكن مادام هذا الكاتب يدعو في نهاية مقالته الكوردَ إلى الإسلام لأن فيه عزتهم ورفعتهم، فاننا نقول طالما أن الشعوب تتحكم في الكورد وفق مصالحها وتفسر وتفصل الإسلام على مقاساتها، ولا تتجاوز دعوتها للكورد للالتزام بالإسلام، حدود مقاصدها المُبَيتةِ سلفا والمتمثلة في إخضاعهم وتركيعهم حتى لمذاهبها الإسلامية كما هو الحال في تركيا..وما دامت هذه الشعوب تبارك وترتضي بالحدود الإستعمارية التي طالما أعطت حتى لقبائل الحقَّ في إقامة دولتها، وحرمت الكورد منها، وإعتبرت مطالبتهم بدولة هي كالخروج عن الدين والملة، فليتركوا الكورد وشأنهم، ودينهم وشأنه !! إن دين الكورد في أقصى شمال كوردستان إلى أقصى جنوبها بكل خير، والكورد مؤمنون ومازالوا يعيشون بحمد علاه في الأكوان ولا يرتدّون عن إيمانهم ومعتقداتهم أبدا ولا يتراجعون، فالقرآن موجود في كل بيت وهو جوهر مكنون يقرأه البنات والبنون.. فلن تجد قرية كوردستانية بدون جامع أو إمام، حتى آلاف المساجد التي دمرها إخوانهم في الدين والتي بنيت وجددت منذ أيام الصحابة، بنوها وزيادة بعد زوال الطاغية وتعرض حكمه للإبادة، ناهيكم عن تمتع كل الأديان والطوائف الأخرى من الكورد وغيرهم بحقوقهم في ممارسة شعائرهم وطقوسهم وشعورهم بالسيادة. أجل، فليتركوا شعب كوردستان ليقرر مصيره بنفسه من دون وصايا ومواعظ وتراتيل عراقية أو تركية أو إيرانية أو سورية.. فالكورد لهم كتب مواعظ كثيرة أبرزها بعد كتاب الله وصحاح رسوله عليه السلام وكتب الصالحين، هو كتاب ( مَمْ و زيْنْ ) والذي كتب بقريحة العلامّة والنطاسي الفهامّة الشيخ أحمدي خاني، الذي ألفه قبل أكثر من ثلاثمائة عام وروحه الآن في عليين إن شاء الله.. ففي مقدمة هذه الرائعة تجد الحق اليقين المستقاة من بدائع رب العالمين في كتابه المبين، وهناك يجد الكورد المرشد القويم والمعالم الصحيحة للخلاص من ظلم وجحيم وجبروت إخوانهم في الدين، ومن ثم شروط تحقيق الأخوة بين الكورد والذين لا تأخذهم سِنة ولا نوم حين يطرق إلى أسماعهم خبر تمتع الكورد ببعض حقوقهم كآدميين أو خروجهم لبعض الوقت من عنق زجاجة المستبدين. لحين تحقق نبأ ووصية الشيخ أحمدي خاني في مقدمة ( مَمْ وزيْنْ )، فليكن لكم منهجكم وطريقتكم ودينكم أيها الكتاب والكتبة المكذبون، ويكن لنا منهجنا وطريقتنا وإسلامنا في واحة العقيدة الفسيحة الواسِعة.. بعدئذ يكون بيننا وبينكم لكل حادث حديث إذا كان للعمر فسحة وتوسِعة !
|
|
02/09/2015 |