كي تتحول كوردستان إلى سويد الشرق وبشروط الكورد |
على ضوء تحقيقات مجلة ناشيونال جيوكرافيك الأمريكية
محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني نشر موقع " إيلاف " مقالة للسيد موسى محمد حول التقرير المطول الذي نشرته مجلة " ناشيونال جيوكرافيك " الأمريكية في عددها الصادر هذا الشهر " فبراير 2006 "عن جنوب كوردستان تحت عنوان " أكراد العراق في أشهر مجلة أمريكية "، وفيها يستعرض كاتب إيلاف ما جاء في تقرير المجلة المذكورة تحت عنوان " ألأكراد هم الفائزون الوحيدون في كل ما يجري في العراق " والذي يحكي عما جرى ويجري في كوردستان من تحولات على جميع الأصعدة، إبتداء من اليوم الذي تحرر الكورد من قبضة النظام العراقي ومرورا بانهياره وإنتهاء بالوضع الراهن وما رافقه من تغيير حتى أثناء تحول العراق إلى بؤرة الدمار والتخريب والقتل والأرهاب.. ولكن مع ذلك فان كوردستان ماضية في بناء بنيتها التى تعرضت للهدم والتأخر، وتشهد المنطقة عمرانا وتقدما ملحوظا وأصبحت نقطة إلتقاء لدول العالم لاسيما بعد هبوط طائرات الدول فيها.. ويتحدث التقرير عن الهدوء الذي يعم كوردستان برغم قربها من خط النار العراقي، وإنشغال الناس بتحويل بلدهم إلى حدائق ومتنزهات وملاعب على أنقاض الأراضي التي كانت في يوم ما سجونا ومعتقلات ودوائر للأمن والإستخبارات يتم فيها تعذيب المخالفين للنظام بشتى الوسائل القمعية التي وفرها لإسكات الكورد وكم أفواههم لعقود... وكذلك يتطرق إلى تطلعات الكورد شيبا وشبانا لتحقيق طموحاتهم التي طالما ضحوا من أجلها، والتي تتجسد في تحقيق حلمهم في تشكيل دولة لا تكون بغداد مركز قراراتها، وقد عبروا عن هذا الأمل في عملية الإستفتاء التي جرت في العام الفائت جنبا إلى جنب مع الإنتخابات العامة، حيث أن 98,7 صوتوا لصالح الإستقلال، وقد تبين أن 100% من الشباب لا يريدون العودة إلى بغداد مطلقا، ناهيكم عن أن جيلا كاملا لم يشهد الحكم العراقي قط في كوردستان.. ومما يلفت النظر هو انه من خلال إجراء لقاءات مع أطفال وشبان كورد، تبين أن روح الإنتماء لكوردستان لديهم قوية إلى درجة أن طفلة عمرها 13 عاما وتجيد الإنجليزية صرحت لهم بأنها تريد ان تصبح مهندسة لكي تعمر وتبني كوردستان ! إذا كانت قاعدة ( وشهد شاهد من أهلها ) يسري مفعولها في القضاء والمشاكل الإجتماعية، فإن قاعدة ( وشهد شاهد من غيرأهلها ) هي المحك في تصديق واقع حساس ومعقد مثل كوردستان والتي لم تشهد منذ أن أسست الدولة العراقية ولحد التحرر من قبضتها، سوى التخريب والتدمير والقصف الكيمياوي والأنفال والتطهير العرقي والسبي والتعدي على الأعراض والطرد والتشريد وإسكان الأجانب على أرض وفي ديار أصحابها، كما حصل في دهوك وسنجار وشيخان ومخمور وكركوك وبدرة وجصان ومدن أخرى، وكما حصل للكورد الإيزيدين والفيليين في داخل وخارج كوردستان من ملاحقات وترحيل وتشتيت. واليوم ما من أجنبي يزور كوردستان وهو مثقل بأطنان من المعلومات التي لا تترشح منها سوى دماء ومأساة وحروب طحنت الكورد، إلا ويعود ومعه قناطير مقنطرة من البشرى والأمل والتفاؤل بمسقبل شعبها الذي عانى الأمرين، وهو اليوم ينفض عن نفسه غبار عقود من الآلام والإهمال الذي تعرض له مع سبق الإصرار من لدن الحكومات المتعاقبة وفي مقدمتها حكومة الغال المهان والقابع في سجن الذل والهوان، والذي ينطبق عليه اليوم قول من قال للحجاج قبل موته: إن كنت مسيئا فليست هذه ساعة توبة، وإن كنت محسنا فليست هذه ساعة فزع ! ولكن مما يحز في النفس هو انه مازال هناك جهات وأطراف واناس ممن ( في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية الأولى ) تأخذهم الرجفة وتتبعها الرادفة ويدخلون في الغيبوبة حين يرون أو يسمعون أن الكورد على أقدامهم واقفون وإلى مستقبل أفضل يرنون وإلى كل شعوب المنطقة يتوددون، وما يريدون إلا حقوقهم التي أخذت عنوة وأراضيهم التي اغتصبت وتأريخهم الذي هتك وجغرافيتهم التي جزأت وفتت تفتيتا على مائدة الغاصبين والمارقين، وكأن كل طرف حين يستبد به التقدم الكوردي ينتفض مهددا : إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو ! وهنا تكمن علة الداء، داء التعصب المقيت الذي تعودنا عليه في شرقنا الحائر والجائر معا والذي لم تحكمه إلا الدكتاتورية والأنانية والكبرياء الباطلة والتخريفات التي قصمت ظهر الشعوب وتحولت كلمة الحق فيه إلى الباطل وأصبحت بالتالي كالشجرة التي أجتثت من فوق الأرض مالها قرار، وأضحت الجريمة وكأنها تسقط بالتقادم، والمنتصر ولو كان ظالما فهو إبن الأوادم.. وإلا ما دخْلُ الدول في شؤوننا وتكالبها على شعبنا في دعوتها إلى تأجيل إلإستفتاء في كركوك إلى ما بعد الإنتخابات القادمة، بعد أن أيقنت أن الكورد يشكلون الأغلبية في كركوك ؟ ثم يا ترى هل ترضى تلك الدول بعد أربع سنوات وتؤمن بالواقع الجديد فيها آنذاك، بعد أن يعود جميع أهلها وتعود المناطق المستقطعة منها إلى ألأصل ويتضاعف عدد الكورد حينئذ؟.. إن الرهان على توجيهات هؤلاء هو ضرب من الجنون والتعويل عليهم من شيمة المنتحرين عاجلا ام آجلا ! ثم ماذا يعني جواب الآخرين بلبَّيكَ من بني بعض الأطراف العراقية على سمفونية الأجانب الذين يصرحون على أهوائهم ووفق مصالحهم الإستعلائية خارج الحدود، وتصديقهم لدعوتهم التي لا تحمل في أمعائها وإفرازاتها إلا عصا التفرقة لتضعها أمام عجلة التقدم والبناء على أساس إتحاد إختياري بين شعوب المنطقة من خلال الأعتراف بكل الحقوق ووفق العقود التي أبرمت بين جميع الألوان والأطياف، ومن ثم أقرت بالتصويت؟ إن إلإتكاء على عصا الأعداء لا يكون مآله غير العودة والسقوط في حضيض عهد الإستبداد وتحت اسماء وشعارات رفضها الكورد منذ أن ُالحقوا قسرا بالدولة العراقية تحت فوهات مصالح الدول وقصف المعاهدات الظالمة التي لم يُحصد منها إلا ما رايناه من مذابح وأهوال وانتهاكات شاب لها الولدان وبلغت القلوب بها الخناجر، وبالتالي لم يصبح حال البلاد إلا كما وصفه الشاعر العربي نزار القباني في روائعه : مدينة مهجورة مهجرة لم يبق فيها فأرة أو نملة أو جدول أوشجرة لا شئ فيها يدهش السياح إلا الصورة الشخصية المقررة للجنرال عنترة في غرفة الجلوس في ميلاده السعيد في قصوره الشامخة الباذخة المطورة
ما من جديد في حياة هذه المدينة المستعمرة فحزننا مكرر وموتنا مكرر ونكهة القهوة في شفاهنا مكررة
ومنذ ان دخلنا المدرسة ونحن لا ندرس إلا سيرة ذاتية واحدة تخبرنا عن عضلات عنترة ومكرمات عنترة ومعجزات عنترة ولا نرى في كل دور السينما إلا شريطا عربيا مضجرا يلعب فيه عنترة لذا، فإن امام الكورد وغيرهم خياران، إما الرجوع عما أتفقوا عليه من خلال الدستور وإضرام النار في كل الملفات وبذلك يقرر الكورد بأنفسهم مصيرهم دون أن تأكلهم نيران الحروب مرة أخرى ويبلطوا البحر على أنغام الوعود والأماني، وإما تطبيق الدستور بندا بندا و كلمة كلمة في حيز الواقع أولا بأول ومن دون تباطؤ أو تأجيل أوفلسفات من هنا وعبقريات من هناك أو بهلوانيات من طرف ثالث وخاصة في الأمور التي هي من الثوابت والمحكمات التي لا إجتهاد فيها ولا تأويل، مثل تسوية معضلة كركوك التي هي للكورد عمر العمر، وكل حق دونها يقع تحت درجة الصفر. حينئذ يصدق قول الأباعد بان الكورد لا يقتصرون جهودهم على إعمار بيوتهم ومدنهم فحسب، إنما يمكنهم جعل بلاد وبيوت وعيش الأخرين أيضا بحبوبة من النعيم، وتختفي الظاهرة التي يصفها محرروا ناشيونال جيوكرافيك الأمريكية : " وبمجرد أن تعبر حدود المنطقة الكوردية مع العراق يتغير العالم بشكل كبير ويصبح عمل الصحفيين الأجانب من أخطر ألأعمال بالعالم " ليعم السلام والأمان الضفة الأخرى كذلك ويتحقق هناك ما هو محقق في كوردستان من أمان كما يؤكدونه : " فريق الصحفيين ينتقل في أغلب مدن كوردستان من دهوك إلى أربيل والسليمانية وكركوك من أجل توثيق الحياة اليومية للشعب الكوردي وإجراء لقاءات مع السياسيين والناس العاديين ". عندما عدت إلى كوردستان قبل أكثر من عقد ونصف من الزمان ولأول مرة، وعشت فضاء الحرية وصراع الافكار برغم التناطح والمشاحنات التي كانت موجودة بين الأقطاب والرؤوس وتداعياتها في الأمصار، قلت في جمع من المثقفين بأنني أرى ملامح السويد في كوردستان وأشم رائحة التغيير في البنية الفكرية هنا إن اُحسِنَ التدبير، وذلك بعد ان اقمت حوالي عقد من حياتي في بلاد الغربة أرتشف من معين ديمقراطيتها وأقرأ تأريخها عن كثب وبشئ من الإمعان.. واليوم حين قرأت مختصر تحقيق وتعليق كاتب إيلاف حول ما جاء في التقرير المطول من مجلة ناشيونال جيوكرافيك الأمريكية، إزددت يقينا إلى حد ما بأن التحولات الجارية والمضافة والتي تتجسد في الإعمار بعد الخراب وسهولة الإتصال بالعالم الخارجي بعد الإنعزال، سوف تضيف خطوات أخرى متقدمة على سابقاتها، خاصة إذا ما أزيلت سلبيات العهد البائد وعولجت إفرازات وتعقيدات وملاكمات فترة التحرر بين المحاور والأقطاب وأصبحت قرارات الشعب بيد البرلمان المكون من مكونات الشعب المختلفة وقضيَ على الفساد الإداري والإستئثار وفق خطة مدروسة مقننة وساد حكم القانون واستقل القضاء وانتشر العدل . يخال إليّ وأنا قضيت الآن أكثر من ثلث عمري في السويد وأراقب التطورات، بأن هناك أرضية لولادة كوردستان في الشرق الأوسط تحمل معالم وشفافية ودقة تنظيم السويد ممزوجا بروح وتراث ومقاسات وخلق ودين وبسمة وبهاء طلعة وإنشراح الشرق، وبشرط الوفاء بالعهود وإشاعة الصدق وعدم العمل من وراء حجاب وحسن التصرف والعمل على تسرية مبدأ " من أين لك هذا ؟ " من وعلى جميع الأطراف والمستويات. ولكي تتحقق هذه الإمنية، نقول ما المانع من إستقدام متخصصين وعلماء ومخططين وإداريين ومهندسين وفنيين وعمال وتربويين وألكترونيين سويديين في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة لإعادة بناء كوردستان وفق هندسة عصرية ؟.. فلا أتصور أن السويديين لا يرحبون ويمانعون، وما أظن كذلك أن حكومة كوردستان عاجزة عن الدعوة والدفع لهم.. ثم إن ما بين الكورد والسويديين من تقارب ووشائج بحكم وجود جالية كوردية كبيرة من بين ظهرانيهم ولعدم كونها دولة إستعمارية طامعة، قد يجعل التودد السويدي نحو شعب كوردستان أكثر وشروط الإيجاب والقبول أوفر. ولا غرابة في أنهم يعرفون عن الكورد وأوضاعهم وتأريخهم اكثر مما يعرفه إخوانهم في الرمادي او أنقرة! في معرض كتاباتي عن جمال كوردستان والفرص المتاحة فيها لتكون أجمل وأروع منطقة في الشرق الأوسط ، أوردت في مقالات سابقة وصف وتعريف رحالة البلدان الأوربية لكوردستان حيث سموها "سويسرا الشرق".. وقد ظهر لي صدق هذا التعريف لكوني رأيتها ووجدت أن هناك شَبَهٌ وإن كانت سويسرا أجمل ، مع فضل الحرارة التي تتميز بها أجزاء كثيرة من بلدي وتفتقدها سويسرا.. واليوم حينما تتحدث مجلة ناشيونال جيوكرافيك الأمريكية عن حماسة الكورد المهاجرين بالعودة إلى كوردستان لبناء وطنهم، أرى أن سحنة التقدم السويدي في المجالات الحضارية قد تكون هي المرشحة والأنسب لتكون الطابع والنموذج السائد على مجمل التحولات الجارية في كوردستان إذا ما أحسن الإستغلال، لاسيما لكون السويد قد غادرت ولعنت أتون الحرب قبل كل الدول الغربية وبالتالي إستفادت من تجارب الكل واعتبرت من أخطاء وسقطات الجميع . هلاّ يدرس عقلاء الكورد هذه الظاهرة بروية وتؤدة ويضعونها في أجندتهم ويعطوا الجوز لمن له أسنان، في وقت أصبحت السويد أقرب إليهم من حبل الوريد برغم موقعها في أقصى الشمال، وذلك بعد فتح المطارات الدولية في كوردستان وسهولة التنقل والزيارات ووجود عشرات الألاف من الكورد فيها وظهور معالم تحقيق حلم الكورد الأصيل؟ قد يصطدم البعض من هذا الطرح ويعدونه محض خيال، ولكن لنا في الدول الأوربية التي تحولت أثناء الحرب العالمية الثانية إلى أكوام من الفحم، خير مثل، حيث ما أن مر عقدان من الزمن حتى أصبحت وكأنها لم تر الحرب ولم يضربها الدمار ولم يظهر على أرضها هتلر أو موسوليني أو غدّار.. ولكن باستخلاص العبر والإرادة والإخلاص والتصميم جعلوا من الأحلام حقائق ومن الآمال وقائع ! مع شكري للأستاذ موسى محمد ولإهتمام موقع إيلاف ! mohsinjwamir@hotmail.com
|
|
02/09/2015 |