ها ان الصحيفة الدانماركية اعتذرت للمسلمين..... متى سيعتذر المسلمين بدورهم للآخرين...
ان الزوبعة التي اثيرت طيلة الايام الماضية على المستويين الشعبي والرسمي في كافة البلدان الاسلامية, نتيجة عرض صور كاريكاتيرية لنبي المسلمين محمد في احدى الصحف الدانماركية والتي كانت قد نشرت قبل اكثر من اربعة شهور!!!. لأمر يدعو الى الاستغراب والتفكير الملي بعيدا عن العواطف والمجاملات,انا هنا لا اتفق ابدا مع الطريقة التي قام به الرسام الدانماركي بالاستهزاء من احد ابرز الرموز الدينية الاسلامية ان لم يكن اهمها على الاطلاق ,لان الديمقراطية الحقيقية لا تسمح باثارة مشاعر الناس من باب الحرية الشخصية لانها اي الديمقراطية تحدد هذه الحرية عند حدود حريات الآخرين ومشاعرهم ومقدساتهم , ومن المؤكد ان الذي لا يحترم مشاعر الآخرين واحاسيسهم انما يكون معتديا على حرياتهم ايضا وبالضرورة ,وقد يكون هدف الرسام اصلا له مقاصد غير بريئة تنبع من الافكار العنصرية الرائجة في بلد الدانمارك اصلا ,اضافة الى ردود الافعال الواسعة في كل الدول الاوروبية تجاه الارهاب الاصولي الذي يتّخذ من الدين الاسلامي شعاره الذي يختفي وراءه وعباءته الذي يحتمي به, والذي بات امرا مقلقا لكل الانسانية لا في منطقة الشرق الوسط (منبع الارهابيين) بل في كل ارجاء المعمورة.
اذا كان للمسلمين الحق في الاعتراض على صحيفة محلية محدودة الانتشار كونها قد نشرت رسوما كاريكاتيريا لنبيهم محمد , ولهم كل الحق في ذلك طبعا, ولو انه كان من الافضل لو تم ممارسة هذا الحق باساليب حضارية بعيدة عن منطق العنف والصخب والغوغاء والتهديد والوعيد , فاذا سلمنا ان ردود الافعال وحملات الاستنكار هي اعمال وواجبات مشروعة على ما نشر من اساءة لنبيهم محمد,و مسّت مقدساتهم وجرحت احاسيسهم , اوليس تقدير واحترام مشاعر واحاسيس الآخرين من بني البشر واجبا مفروضا عليهم ايضا؟؟؟ , اولم يحن الاوان للمسلمين ان يفكروا ويتصرفوا ايضا بمنطق العصر في النظر الىالآخرين واحترام اديانهم ومقدساتهم واحاسيسهم,وهل يجب الاستمرار بنفس المنهج المتخلف والعنصري والاسقاطي تجاه الآخرين من غير المسلمين, هل من المنطق بشئ تسمية كل من هو غير مسلم بلفظة ( الكافر) ,الذي يتوجب عليه وبموجب نصوص صريحة في الشريعة والسيرة المحمدية ان يخير بين القتل اواعتناق الاسلام , او دفع الجزية بيد, صاغرا و ذليلا ؟؟؟ ...... ففي عصر باتت فيه المساوات بين بني البشر والتمتع بالحقوق التامة على اساس المواطنة بغض النظر عن الانتماء الديني او المذهبي او الجنسي او السياسي هو مطلب الانسانية جمعاء, نجد ان الخطاب الديني الاسلامي اليومي والاسبوعي والذي يطل علينا في خطب الجمعة والاحاديث الدينية ومن خلال وسائل الاعلام الاكثر انتشارا يصرّ ويشدد على فكرة اطلاق النعوت والتسميات الدونية لغير المسلم( كالصليبين واليهود والكفار...الخ) ليس في العالم الاسلامي وحده فحسب بل حتى من نفس المساجد والحسينيات التي ساعدت شعوب ( الكفر) على انشاءها في بلدانها وسمحت لهم بممارسة شعائرهم بكل حرية و التي دفعت اثمان بناء بعضها ورواتب خطباءها هؤلاء ( الكفار) انفسهم من اجور عملهم وكدهمّ ومردود ضرائبهم , ناهيك عن ايواء الملايين من المسلمين الذين ضاقت بهم السبل في بلدانهم والذين يستميتون للوصول اليها والتنعم بخيراتها واجوائها والتمتع بحرياتها ومعالم رقيها وازدهارها, نعم تجري كل هذه الممارسات الاسقاطية والتي تتنافى مع معطيات العصر وافكارها ومفاهيمها السائدة في احترام الآخرين وعدم التسبب في ايذاءهم ماديا او معنويا , من قبل ائمة الجوامع والعلماء المسلمين ليل نهار , و كل ذلك انطلاقا من ركام الارث الديني والفقهي الغارق في التخلف والتمييز العنصري (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. .
ان تقسيم بني البشر على اساس الدين والمعتقد لهو امر يخالف كل القوانين والشرائع الدولية المتفقة عليها, ولذا على المسلمين قبل غيرهم ان يعيدوا النظر في كثير من الامور الفقهية والدينية اذا كانوا حقا يتطلعون الى كسب احترام المجتمع الدولي واذا كانوا فعلا حريصين على احترام الناس لمقدساتهم ورموزهم انطلاقا من المقولة التي تقول (اذا كنت تريد ان يحترمك الآخرين فاحترمهم اولا).... ان استصغار اديان ومعتقدات الآخرين والتشكيك في كتبهم الدينية ونعتها بالمحرّفة والباطلة واختلاق كتب وهمية في مخيلتنا لبقية الاديان , كانجيل ( برنابا) والادعاء بانه الانجيل الاصلي و مخبأ في اقبية الفاتيكان!!! , والقول ان التوراة محرّف ايضا,واعتبار الاسلام وحده هو الدين الحق واكمل الاديان وافضلها واعتبار نبي الاسلام محمد هو (اشرف الانبياء) لهو امر يستدعي عنده التوقف والتأمل الجدي ,( فكل قوم بما لديهم فرحون) كما يقول المثل, ومنطق الاشياء تقول بان السيد المسيح(روح الله) او النبي موسى(كليم الله) وغيرهم الكثيرون لا يقلّون شرفا عن محمد بن عبدالله , والا كيف تم اصطفائهم الله لهداية البشرية, وانا كمسلم لا ارى مبررا ان يكون السيد المسيح مثلا اقل منزلة من النبي محمد او غيره من الانبياء , فهو لم يقتل احدا ( كما فعل النبي موسى ) مثلا ولم يامر بقتل الرجال وسبي النساء كما فعل الاخرون , وكان طيلة حياته يدعو الى السلم والفضيلة والتسامح واخيرا ضحى بنفسه من اجل الاخرين , فلماذا اذن يجب ان يكون منزلته اقل من منزلة محمد عند الله!!! فلكل نبي مكانته الخاصة عند اتباعه ومعتنقيه, وكل منهم بشّر برسالته للانسانية والتي تكاد كلها تجتمع تحت مظلة الخير والفضيلة والسلام والعدل والانصاف, في فترات كانت الانسانية بحاجة ماسة الى قوانين ونواميس تنظم عمل الافراد والجماعات في غياب القوانين والانظمة الوضعية , وبهذا فكل الانبياء هم شرفاء بنفس القدر ولهم نفس المنزلة عند الله, فكيف يمكن لله ان يفضل مثلا اي كان على ابنه او روحه(عيسى) او كليمه(موسى), ويكون لهما منزلة اقل من غيرهما من الانبياء!!!, وما جاء به بقية الانبياء كبوذا وزرادشت وكونفوشيوس لا يقل عظمة في مناحيه الاصلاحية والارشادية والروحية مما جاء به محمد وعيسى وموسى... فلماذا يجب ان ينظر اليهم بازدراء وهم ايضا خدموا الملايين والمليارات من البشر ولآلاف السنين, وكيف يمكن بهكذا تصورات دونية للاديان الاخرى وانبياءها وكتبها المقدسة , نستطيع ان نبني جسور التفاهم والتواصل والمحبة والسلام بيننا وبين الاخرين من بني البشر وندعو الى حوار الحضارات والاديان ونحن اصلا لا نعترف بمقدساتهم!!!! .....
وها ان الصحيفة التي نشرت الصور الكاريكاتيرية عن النبي محمد قد اعتذرت وتراجعت عن خطأها وكذلك فعلت دولة الدانمارك والاتحاد الاوروبي برمته رغم انهم غير مسؤولين ابدا عما ورد ت في الصحيفة المحلية, في عالم ديمقراطي حرّ يفسح المجال لحرية الرأي والتعبير والصحافة.....ولكن السؤال هو متى سيعتذر المسلمون عن كل ما ارتكبوه بحق الافراد والاقوام والاديان وعلى مرّالتأريخ الاسلامي؟؟؟ ولا سيما ان بعض هذه الانتهاكات هي مستمرة ليومنا هذا وتملأ اخبارها صفحات الجرائد والصحف اليومية بفضائحها وفضاضتها ايضا (في ايران و مصر والسودان والسعودية )مثلا, ولو استعرضنا بطون كتب التأريخ سنجد ان الملايين من البشر كانوا ضحايا الظلم والتعسف الذي ارتكب تحت راية الاسلام,بدءا بابادة اليهود من بني قريضة والقنيقاع و وسكنة قلعةخيبر وتهجيرهم عنوة عن ديارهم وقتل رجالهم وسبي نساءهم, مرورا بهدم الكنائس المسيحية على رؤوس المصلين في جزيرة العرب وطمرهم في مقابر جماعية, ومرورا ايضا باجبار شعوب واقوام باكملها بالدخول الى الاسلام تحت تهديد السيف والجزية واستباحة الاموال والاعراض, امتدادا من بلاد الرافدين والشام وحوض النيل وشمال افريقيا وانتهاءا بجنوب اسبانيا,اضافة الى حرق المئات والآلاف من رجال الفكر والعلم احياء بحجة الزندقة والخروج عن دائرة الاسلام.
أن يستنكر المسلمون الاساءة الى الاسلام ونبيه امر مفهوم ومشروع , ولكن عدم استنكارهم الاساءة الى المسلمين انفسهم ومن قبل بعض المسلمين شعوبا وحكاما هذا ما يدعو الى الاستغراب ويفصح عن مدى البؤس والازدواجية التي تعيشه العالم الاسلامي,ان الالوف والملايين من المسلمين قد تم قتلهم وابادتهم في القرن الماضي على ايدي الحكام في البلاد الاسلامية, اضافة الى الملايين من غير المسلمين من الاشوريين والارمن واليهود واليزيديين على يد الخلافة العثمانية الاسلامية ولم نجد حتى استنكارا خجولا من قبل ائمة المسلمين في الازهر او في غيره يندد بهذه الجرائم البشعة, ففي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وفي العراق لوحده قتل صدام الملايين من المسلمين شيعة وكوردا مستخدما الغازات السامة والصواريخ التي دكّت حتى المساجد والمزارات المقدسة للائمة , ولم يحرك ذلك من ضمائر المسلمين قيد شعرة, رغم ان هؤلاء الضحايا كانوا ايضا مسلمين ويشهدون( ان لا اله الالله ومحمدا رسول الله),وبالطبع لا نتوقع من هكذا ضمائر ميتة ان تتحرك لها جفن لقتل العراقيين وغير العراقيين اليوم بايدي التكفيريين وادعياء الاسلام من الارهاب القاعدي الدولي , وتحت شعار الله اكبر والعزة للاسلام... او ان يرق لهم الطرف لقتل غير المسلمين في كل انحاء العالم.... فكفاكم هراءا وهرجا باسم الدين و اعلموا ان الدماء الغزيرة للابرياء التي تراق على الارض يوميا لأغلى من كل المقدسات التي تهان على الورق ...... متى يفيق هذا العالم الاسلامي من غفوته لينظر حواليه ويدرك انه لم يعد خير امة اخرج للناس بل من اكثر الامم تأخرا واحباطا وسباتا.
|