بين صوت القاضي في شرق كوردستان وصدى الخزنوي في غربها
محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

 

إذا ما اراد نظام ما ان تُقرَأ على روحه فاتحة الكتاب ولم تنفعه ويصل إلى شر مآب في الدنيا قبل مبعثه، فليتحرش بالعلماء ايا كانت افكارهم وتوجهاتهم وليقتل أصحاب ( القلم وما يَسْطرون) والمواقف والناطقين بقول الحق أمام سلوكه الدموي الجائر العائث في الأرض فسادا والعابث بكل القيم الإنسانية والسماوية، لقاء بقاء زائل حتما وحكم آيل للسقوط لا محالة.. لأنه لو نام كل ما في الكائنات من أحجار وأشجار وأحياء وأموات، فان دم العالم المهراق يقظ ساهر يبحث  بكلمات صاحبه عمن أراقه وجلب الآهات، وبالتالي يدافع عن كل دم برئ أريق ظلما واهرق عدوانا، مهما كان مريقه قويا وصارما ومالكا للقوة والجبروت ومدعيا الربوبية ومناديا على رؤوس الأشهاد ( أنا أحيي وأميت؟! )، وآتيا بالمعجزات.. فالقاتل كما يقول خبراء الجريمة هو الباحث عن حتفه بظلفه، وهذا من المحتمات.. لهذا تجد صلاح الدين الأيوبي وقبل قرون من شيوع علم الجريمة بمؤسساته، ينصح إبنه قائلا : إياك يابني أن تهرق دما بريئا، فان الدم لا ينام بين المخلوقات !

 

إن العلامة معشوق كان أمة بمواقفه في وجه الطغيان الجاثم حتى الثمالة على صدر أمته التي أدمى القيد معصمها طيلة عقود من الحرمان من كل حق آدمي اقرته المبادئ السماوية والوضعية منذ خلق سيدنا آدم وامنا حواء.. ولا يكون مقتله سهلا على قتلته مهما أحيطوا بقوى أمنية مخابراتية أو كوفئوا بملك قارون او صُوِّروا وكأن في عقولهم خلل او  في نفوسهم حمق وخطل.. لأنهم أرادوا قتل ( كلمة طيبة ) هي ( كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) وشاءوا منع تحقق ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) في عالم الأرض والعلا..

 

 إنهم إغتالوا الشمس والقمر والنجوم في السماء والقيم والإنسانية والحضارة في الأرض والعلم الجامع في قلب وسلوك وكل خطوة خطاها هذا الرجل الملائكي في دعوته إلى السلام والفضيلة والأخوة والمساواة بين الشعوب قاطبة شرقا وغربا، وإلى إعادة الإعتبار لشعب حرم من أبسط  ما يجب ان يملكه الأنام على وجه البسيطة.. شعب سُلبت أرضه وسُجن أبناءه وقطع لسانه وهُتك عرضه وغُصب تأريخه ومُحيت جغرافيتهُ !

 

إن من إطلع على وصية القاضي محمد وهو يُصرح أمام جلاديه مخاطبا شعبه بالبشرى وأعداءه بالنذر، يدرك عظمة ووفاء وريثه الخزنوي حين يعلو صوته بالذكر في الذكرى السنوية لإستشهاد الشاب فرهاد محمد علي صبري ( بافي نسرين ) على أيدي جلاوزة النظام، ذاكرا في بعض مقاطعه:

" يعلم الجميع إنني يوما ما، ما شاركت في مأتم، والذين هم لصيقون بي يعرفون أنني لا أشارك في سنوية أحد .

لست بحاجة إذا كان البعض بحاجة إلى أن يحتفل بالموت، فأنا أحد الناس الذين ليسوا بحاجة إلى أن يحتفلوا بالموت، إلا إذا تمكننا أن نحول الموت إلى حياة.

لذلك، اليوم أنا بينكم ليس من أجل سنوية فرهاد، سنوية موته ومأتمه، إنما انا معكم من اجل سنوية حياته، وسنوية حياة شعبه وامته.

فرح جدا أن أقف معكم وانا أحتفل بحياة هذا الرجل، لأن عشرين ونيفا من شهداءنا مرت عليهم سنة على حياتهم ولم تحتفل أمتهم بحياتهم.

فرهاد عزيز علينا جميعا، و " عزيز " وأقول هذه الكلمة وأحترم مشاعر أبيه وأمه وزوجته وإبنته.. فرهاد عزيز على قلوبنا جميعا.. ولكن من الذي قال أن عشرين ونيفا من شهداءنا ليسوا بمستوى عزة ومكانة فرهاد ؟!

إن الحقوق أيها الإخوة لا يتصدق بها أحد، إنما الحقوق تؤخذ بالقوة.

دماء الشهداء يجب أن تكون قطراتهم سقيا لشتلات حقوقكم" .

 

لعل الإنسان يستغرب من نفاق وإزدواجية تعامل الأطراف الدولية ومعاييرها المختلة في المكيال والميزان مع القضايا والإنتهاكات التي تحصل في عالمنا والبلدان.. حيث يجد إهتماما بالغا بمن دون معشوق الخزنوي موقفا وعلما وسياسة وفقها وعظمة وإنسانية، مع الصمت المطبق والمتعمد لما حدث لهذا الرجل من مؤامرة دنيئة مبيتة لا يُعتقد ان مصادرها أو حتى المنفذين لها غير معروفين. وكأن التأريخ يعيد نفسه على الخزنوي كما أعاد نفسه على القاضي الشهيد وصحبه  الميامين !

 

ولكننا من خلال قراءة التأريخ وما يكمن من وراءه من أسرار تبدو لنا في النظرة الأولى ألغازا وهي حقائق، ندرك بانه سياتي يوم تنكشف كل الأوراق و ( يكشف عن ساق ) ويُدعون إلى الحساب فلا يستطيعون وقد ( إلتفت الساق بالساق ).. وستفضح كل الخطوط والخيوط وتنكسر كل الدبابات والفؤوس وتفضح كل الرؤوس التي خططت وكل الوثائق التي دونت لترتيب المؤامرة وتنفيذها على الرجل الذي لم تحمل يديه إلا حمامة السلام ولم يحمل في جنباته إلا مشاعل الطريق لكل الأنام بغض النظر عن قومية أو دين أو لون  في المنطقة للإنعتاق من ظلمات الدهر التي طال أمدها ولم يعد حتى التصبر يجدي نفعا للتخلص من الإضطهاد والآلام..

 

 وما حصل لطاغية بغداد المتجبر والذي بدأت أوراقه المستنسخة المسطرة بتوقيعاته المدبرة على الأعدامات الكيفية وتجريف الأراضي وتسوية مزارع الناس بالارض تتبين بعد أن أراد هو وجلاوزته وأحذيته  في الجلسات الاولى تحويل محاكماتهم إلى مسرحيات سياسية عرض عضلاتية بهلوانية، واصبح يبهت هو وأذياله الواهنون وكأن على رؤوسهم الموت لا الطير الحنون، وكأن عذاب ربك ( والنازعات غرقا ) يسحقهم في هرج ومرج وكأنهم يصعدون في السماء من الضيق  والحرج، كان أكبر درس وعبرة لمن أراد أن يعتبر ولا يتجبر ويبحث عن الفسحة والفرج.. أجل إن هذا الأجل أصبح قاب قوسين أو أدنى من نظيرهم الدمشقي، وكأني بالقدر قد حدد عمرا مماثلا ونهاية مشابهة لطغيان كل مستأسد بعثي شقي.

 

إذا كان آخر " صوت " ونداء للقاضي محمد رئيس جمهورية كوردستان إلى شعبه، وهو يعلن فيه أن : الظالم سوف يسقط  ويخزى، وسقط  الشاه فعلا بعد 30 ونيفا من السنين وأصبح سرابا وانمحى ولم يتحسر عليه أحد أو بكى، نذيرا لسقوطه.. فان  " صدى " وجواب الشهيد الخزنوي الذي أطلقه في خطبة وداعه في سنوية فرهاد الذي إغتاله أساتذة التفنن في الضرب بالسياط والكرابيج والهراوات وإيقاف المتهم عاريا كما ولدته أمه أمام المكيفات، كان بشيرا لمزيد من العطاء لنوروز الحياة :

 

" أنا أحد الناس اخشى السياط كثيرا، ولا أريد أن أتذكرها.

إني اليوم أقول لكم : إننا عازمون أن نحيي من أمتمُوهم وعازمون أن نبني ما هدمتمُوه وعازمون أن نعمر ما خربتمُوه.. وإن فرهاد وأمثاله سيكونون حباتنا التي ستنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء.. نساءنا سيلدن آلافا أمثال فرهاد ! "

 

لا جرم أن علامات إنهيار وسقوط هذا النظام بادية، وهلوساته تنبئ بذلك ويطَّلع عليها أهل الحضر والبادية، واقتربت ساعة الحسم الموعودة للطاغية في ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) .

 

( وانتظروا إنا منتظرون ) يا أمة ترفض أن تكون أمام عدوها على ركبتها جاثية ! فإن " صوت القاضي " و "صدى  المعشوق " مالت إليهما كل الآذان الصاغية !

 

mohsinjwamir@hotmail.com

 

 

           

 

02/09/2015