هل الكورد بانتظار معجزات الجعفري؟

 

محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

 

 

إن زيارة السيد الجعفري  لتركيا ليست بالإشارة الأولى التي تظهرمعالمها من خلال الموقف المخطط  له بدقة متناهية لحذف ما اتفق عليه سابقا بشأن بناء هيكل الدولة الإتحادية التي من المزمع تأسيسها وفق الدستور، إنما سبقتها مواقف وخطوات مبيتة جهارا نهارا أقدم عليها عمدا وهو على كامل وعيه وإدراكه وأمام الكل، منها بتر القسم البرلماني على رغم أنوف الحلفاء  الموجودين عنده والتملص من تنفيذ أي بند من البنود بشأن كركوك، على الرغم من محاولاته ترقيع تلكم المواقف بتصريحات بلاغية فضفاضة هو يتقنها جيدا وحاذق في تحريف الكَلِم عن مواضعه، ومن ثم إتساع وكشف الخرق عليه.

 

 ولكن توقيت الزيارة والملابسات والاشكالات التي يتحدث عنها الكثيرون وتتطرق إليها الأطراف السياسية ووسائل الإعلام، هذا التوقيت ولدولة تحمل كل هذه العقد العقائدية التأريخية المزمنة تجاه الكورد وتضيق ذرعا باسمهم ويأتيها الموت بذكرهم وتود لو أصبحت قضيتهم كالصريم، والتي هي رأس الحربة لإفشال وسحق كل محاولة لحل مسألتهم بالطرق السلمية وبالتالي إبعاد شبح الحروب عن المنطقة وتثبيت الإستقرار، هو موضع إلقاء الشكوك وفرضيتها.

 

القارئ لنتائج تلك الزيارة والتصريحات التي صدرت عن الجانب التركي والذي طالما رددها من دون تردد، لا يخرج إلا بنتيجة واحدة وهي فرض الرغبات التركية على حكومة الجعفري بشأن الكورد ليس إلا، وذلك تحت مظلة وحدة التراب وعدم فرض رغبات إثنية معينة على الأطراف الأخرى والتوزيع العادل للثروات الطبيعية وتثبيت وضع كركوك وفق التوافق.. في حين يعتبر هذا الأسلوب من التصريحات ووفق العرف الدبلوماسي تدخلا واضحا في أمور بلد آخر، وبالتالي إستهانة برجاله الذين هم بصدد بناء دولة وفق إتفاق معلن.

 

أظن أن تركيا لن تجد رجلا مؤهلا لتحقيق رغباتها العدائية للكورد مثل السيد الجعفري، بعد أن أيْأسَتها طائفة تركمانية كانت تعول عليها ومن ثم فقدت مصداقيتها بعد هزيمتها في الإنتخابات التي لم تحصل فيها إلا على مقعد يتيم، بعد أن أكدت لها وطمأنتها وأقنعتها بأنهم أكثر عددا وعدة من الكورد وأدخلت في روعها أنه حتى زقزقة وتسبيحات وتحميدات الطيور في سماء كركوك هي بالتركية ولتركيا، وإذا بها تظهر حقيقتها وضآلتها حتى أمام غير الكورد !

 

 صحيح أن بقاء الجعفري يعني دوام العقد والأزمات، بل مضاعفتها، ولكن من الخطأ الجسيم إختصار القضايا وتداعياتها  في شخص الجعفري، لأن الرجل ليس إلا منفذا وطائعا، وهو يمشي مُكِبا على وجهه للطرف الذي إختاره ممثلا عنه، ولا يمكن أن تكون زيارته  لتركيا طبقا لإجتهاد شخصي بقدر كونها جرت بموافقة أو بالأحرى بأمر من قيادته ولغاية ما.. لذا فان حصر الأمر كله في  إطار أخطاء شخصية إقترفها شخص الجعفري، نعتقد أنه لا يتجاور حدود خداع النفس.

 

إن لم تكن زيارة الجعفري لتركيا بالإشارة الأولى للدخول في نفق وأزمات لا تبشر بخير، فانها بمثابة إنذار خطير للكورد بأن هناك أطرافا إقليمية مثل إيران وسوريا تعادي تطلعاتهم وآمالهم وحريصة على أن تموت قضيتهم حتف أنفها وفي إطار قانوني ودستوري، وكّلتْ تركيا بأخذ زمام المبادرات والمقررات التي سوف يرفعها الرسول الجعفري للجميع، والتي توحي أو تقضي باعتبار تركيا جزءا من العملية السياسية وأن يُحسب لها الحساب في كل العقود والعهود والصكوك، منها الدستور الذي هو الأهم. وكلنا  يذكر المؤتمر الذي عقد سابقا وأثناء وضع الدستور الدائم في منتجع " بولو " التركي  بشأن الدستور وتحت إشراف الأتراك، والذي حضره كل الأطراف السياسية باستثناء الكورد.

 

فهل يدرك الكورد الذين حنكتهم الدهور أكثر من غيرهم هذه الحقيقة ويصارحون الحلفاء القدامى والأصدقاء الجدد  بتحديد مواقفهم من أصل القضية وليس هوامشها وذيولها، ويعلنوا تحديهم وإنسحابهم من عملية غير مأمونة العواقب، أم يمنون أنفسهم بمعجزات تظهر على يد الجعفري الشخص أو غيره ؟!

 

mohsinjwamir@hotmail.com

 

 

           

 

02/09/2015