شجرة الألهام جودت هوشيار على مدى الاف السنين ، كانت امواج البحر تقذف الى السواحل الهندية ، بنوع من ثمار جوز الهند، كبير الحجم، تزن الواحدة منها حوالى عشرين كيلو غراما احيانا . وكان ذلك مثار دهشة بالغة لدى الهنود، الذين لم يشاهدوا من قبل قط ، ثمارا بهذا الحجم ، وبمضى الزمن ، ساد بينهم اعتقاد راسخ بأن شرب عصير مثل هذا النوع من الجوز – الذى اطلقوا عليه اسم الجوز البحرى – يساعد على استعادة الشباب وتنوير العقل وصفاء الذهن . ولكن المصدر الأصلى لهذه الثمار الغريبة ، ظل مجهولا لأمد طويل، وقد اكتشف البحارة فى ما بعد ، ان مصدرها هو جزر ( سيشيل ) وان اشجار ( الجوز البحرى ) تعمر حوالى ألف سنة ويبلغ ارتفاعها حوالى ثلا ثين مترا ، ولها اوراق يبلغ عرض الواحدة منها ثلاثة امتار ، كما ان ثمارها ، تنضج خلال عشر سنوات ، ويقال ان الوقوف تحت هذه الشجرة يساعد على تنشيط عملية التفكير . ولا يقتصر الأمر على اشجار جوز الهند او ( الجوز البحرى ) فحسب ، حيث ان ثمة اشجارا اخرى مختلفة، يعتقد الناس أنها تعمل على تنشيط الذهن و جعل عملية التفكير اكثر فعالية ، ومنها شجرة ( باو باب ) لدى ألأفارقة وشجرة ( سيكفويا ) فى اميركا الشمالية والتى يبلغ ارتفاعها حوالى ( 150 ) مترا و هى أعلى شجرة فى العالم وتستعمل فى بلدان كثيرة لغرض تحسين وتجميل البيئة المحيطة بالأنسان.ورغم ان هذة الأشجار مختلفة من شعب الى آخر ، حيث نجد ان شجرة (الحور ) هى المقدسة لدى شعوب بعض بلدان اميركا الشمالية و التخلة لدى اليهود والأرز اللبنانية عند البابليين والسنديان فى اليونان ومعظم البلدان الأوروبية . الا انها اشجار تجمعها سمة واحدة هى اعتقاد مئات الملايين من البشر فى انحاء العالم المختلفةو حتى عصرنا الراهن ، انها تنير العقل وتمنح دفقة من الطاقة الذهنية الخلاقة وتتيح الفرصة لأدراك الواقع على نحو اكمل واعمق . وقد جاء فى النصوص البابلية القديمة ، ان شجرة ( الأرز ) مباركة والوقوف تحتها يساعد على تنشيط الذهن . وليس من قبيل المصادفة ، ان العديد من شعوب العالم تقيم احتفالاتها الشعبية او الفولكلورية تحت هذه الأشجار. وارجو ان لا يتبادر الى ذهن القارىء بأن هذه الطقوس ، تنم عن تفكير بدائى او أنها فولكلور عفا عليه الزمن ، ذلك لأن العقل البشرى لغز عجز العلم ، حتى يومنا الراهن عن اماطة اللثام عن اسراره وخفاياه .ويعتقد علماء الفيزياء – وحسب نظرية الأحتمالات – أن العقل البشرى ، لا يمكن ان يكون قد ظهر خلال الفترة ، منذ نشوء كوكبنا الأرضى وحتى اليوم - ذلك لأن عمر الأرض جد قصير قياسا الى ما يتطلبه هذا العقل من زمن طويل للنشوء والتطور والنضوج ، ولا بد ان تكون هناك قوى خارجية او قوة دافعة ادت الى ظهور العقل البشرى . وتقول مجلة ( نيو ساينتست ) الأنجليزية – وهى مجلة علمية رصينة و جادة – ( أن العقل البشرى قد ظهر على وجه الأرض على نحو مباغت ومذهل وان نشأة هذا العقل وتطوره اصبح موضوعا أثيرا لدى العلماء المتخصصين وبعضهم من اكثر العقول فى عصرنا تألقا وعمقا . ) وهذه حقيقة تؤكدها النصوص المقدسة والتى تشير الى ان (النور ) الذى هبط على الأنسان وأنار عقله ، كان مرتبطا بالأشجار المقدسة .وقد ورد فى الأساطير الألمانية والنصوص الفارسية القديمة وفى حكايات الزنوج فى جنوب افريقيا و كذلك فى اساطير هنود اميركا الشمالية وفى ملحمة ( ماهابهاراتا ) الهندية ، ان اول زوجين من البشر هبطا من الشجرة المقدسة وان الأنسان الأول تلقى منها شحنة دافعة تنير العقل والذهن . وتشير الأساطير الهندية الى ان الأمير الهندى ( غا وا تاما )ادرك ان العالم غير متكامل وبحث لسنوات طويلة عن معنى الوجود ومبرراته وقرأ كثيرا من الكتب وحاور الحكماء والقديسين والعلماء ولكن دون جدوى ، حيث لم يحصل على اجابات مقنعة لتساؤلاته . وذات مرة كان جالسا تحت شجرة ( با ) الكبيرة الحجم فظهرت امامه الحقيقة واضحة وجلية واصبح ذهنه صافيا ، حيث اضاء نور سماوى عقله . هذه الحقيقة نقلها الأمير الى أتباعه . واليوم نجد ان نصف البشرية تؤمن بتعاليم هذا الأمير الحكيم الذى يعرفه العالم بأسم ( بوذا ) . وتنفرد ( البوذية ) بين الأديان الأخرى بأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالشجرة ، وشجرة ( با ) مقدسة لدى البوذيين ، ليس لأنها تقترن بحدث عظيم ، بل بكونها ( شجرة الألهام ) ومصدر الحقيقة . وعلى مدى التأريخ البشرى ، كان الملايين من البشر من شتى الأعراق ، يتوجهون نحو اشجارهم المقدسة لتنير عقولهم ويصبح بوسعهم ادراك معنى المواقف الحياتية التى تواجههم واتخاذ القرارات الصائبة بشأنها ، بل وحتى اجراء المحاكمات فى ظلالها . وارجو ان لا يتبادر الى ذهن القارىء ان اساطير الأولين ، مجرد خرافات من نسج الخيال ، ذلك لأن فولكلور الشعوب ، ليس كله وهما وخيالا ، بل حصيلة التجارب الأنسانية على مدى الاف السنين . و رغم التقدم العلمى – التكنولوجى الباهر الذى احرزه الأنسان المعاصر وبخاصة فى العقود القليلة الماضية ، الا انه لا يعرف عن ذاته وعن الطبيعة المحيطة به وعن الكون ، الا النزر اليسير . ويوما بعد اخر ، يكتشف العلم حقائق جديدة ، تنم عن حكمة الشعوب وعظمة العقل الأنسانى .
|
|
04/07/2007 |