من أرشيف الأنفال

 

حتى يعلم الناس بأن الكورد كانوا صادقين

بقلم : محسن جوامير * ـ كاتب كوردستاني

 

( مذكرة وجهت إلى علماء وشيوخ العالم الإسلامي في عام 1988 ونشرت في العدد الاول من مجلة حلبجة الصادرة في السويد من نفس العام )

 

 ( قتل أصحاب الأخدود. النار ذات الوقود. إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود. وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ).. صدق الله العظيم

 

                         قتل إمرئ في غابة جريمة لا تغتفر

                         وقتل شعب آمن مسألة فيها نظــر

 

إن التعتيم الإعلامي المفروض على البلدان ما يسمى بالإسلامية والتي يتحكم في مصيرها الطواغيت الذين لا يتورعون عن إرتكاب أشنع الفضائع في حقها، يخفي الكثير الكثير من الوقائع المؤلمة التي تحدث للأبرياء المظلومين الذين يلفهم الموت والدمار، لا لذنب إرتكبوه ولا لجريمة إقترفوها فحسب، وإنما فقط لتحقيق شهوة الحكام الذين لا يقر لهم قرار ولا يرتاح لهم بال إلا حين يرون أجساد المستضعفين من الرجال والنساء امامهم هامدة.

 

وهكذا الحال مع سيد الطواغيت وإمام المنافقين حاكم العراق.. وهكذا الحال مع حزبه المتسلط على رقاب الشعب العراقي.

 

إن لعبة الخداع والنفاق التي يزاولها هذا الدكتاتور قد أخفت الكثير من جرائمه التي يقترفها هو وجلاوزته الذين حولوا هذا البلد إلى جحيم لا يطاق.

 

لقد تصور هؤلاء أن جرائمهم لا تُرى بالعين المجردة ولا تصل إليها يد القدرة الإلهية بالكشف وتبيان الفضائح.. ولم يعلموا أن الله ليمد للظالم حتى إذا اخذه لم يفلته.. بهذا طغوا وتجبروا حتى ظنوا أنهم يحسنون صنعا.. ولكن سنة الله في الكون والعباد لابد أن تتحقق ولابد أن تتبين الحقيقة ولو بعد حين.

 

لم يكن في حسبان طاغوت العراق ان عدسات المراسلين والصحف العالمية ستدخل على مدينة حلبجة الشهيدة لتكشف وتصور حلقة من حلقات إجرامه ضد شعب مسلم آمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن كتابا.

 

نعم كان هذا في مدينة حلبجة الشهيدة التي اُقترف فيها أكبر جريمة قتل جماعي وذلك بقصفها في يومي 16 ـ 17/03/1988 بالغازات الكيمياوية السامة التي أدت إلى قتل اكثر من 5000 آلاف وجرح حوالي 10000 آلاف وجلهم من الأطفال والنساء والشيوخ والعلماء والشباب الأبرياء، وتشريد البقية الباقية من اهلها البالغ عددهم حوالي 70 الف نسمة.

 

العالم كله ما عدا الدول المتمسلمة شهد على شاشات التلفزيون هذه الجريمة النكراء .. أطفال رضع تحولوا إلى رماد.. أمهات سقطن شهيدات وفي أحضانهن فلذات أكبادهن.. بنات في عمر الزهور.. أجساد تحولت إلى أنقاض.. صور يشمئز الإنسان حتى من نفسه حين يراها.. مشاهد فاقت جرائم النازية والفاشية..

 

لعلمكم أن هذه المدينة العامرة " حلبجة " تحولت إلى مدينة الموت والأشباح.. ولعلمكم كذلك ان هذه المدينة كانت قلعة من قلاع الإسلام في العراق كأختها مدينة " حلب " الباسلة، ومدينة لتخريج الدعاة والعلماء والشباب الذين تربوا على عطاءات في ظلال القرآن ومعالم في الطريق ونساؤهن من أولى المحجبات في العراق.

 

صحيح أن هناك حربا عراقية ـ إيرانية، ولكن هذا لايبرر أبدا إبادة مدينة كاملة وقتل وحرق من فيها وما فيها بأشد انواع الأسلحة الفتاكة التي حتى شياطين الأرض عزموا على تحريمها.

 

إن الحرب الإيرانية العراقية اصبحت الآن ورقة بيد القيادة الظالمة في العراق لضرب وتصفية الأكراد ومحوهم من على خارطة الأرض.. وإلا فان محاولة إبادة الأكراد ليست بجديدة عليها.. وإن كل عراقي يعلم بأن الحكومة العراقية وقبل مجيئ الخميني للسلطة قررت بتصفية الأكراد.. وإن إجراءات قديمة حديثة إتخذتها لتحقيق مآربها.. وهنا لا يسع المجال إلا بذكر البعض منها :

 

1 ـ تخلية مدينة كركوك ذات الأغلبية الكوردية من الأكراد وتشريدهم، ومن ثم جلب وإسكان العوائل من البدو وغيرهم مكانهم، ولا يحق لأي كوردي شراء بيت أو عقار فيها. اي نفس إجراءات اليهود في فلسطين.

2 ـ اصدرت الحكومة قانونا يقضي بترحيل وتهجير جميع الأكراد البالغ عددهم أربعة ملايين من مناطق سكناهم في كوردستان العراق ـ أي شماله ـ إلى جنوب ووسط العراق وعلى الحدود العراقية الأردنية والعراقية السعودية. وتبعا لذلك قامت بتدمير وحرق حوالي5000 آلاف قرية كوردية وتهجير أهاليها إلى المناطق المذكورة وإسكانهم بين قبائل البدو والمخيمات وفي معسكرات مسيجة بالأسلاك الشائكة بحيث لا يسمح لهم بالخروج منها إلا بإذن السلطات.

وإن هناك مشاهد تقشعر لها النفوس والبدان، وذلك عندما كان بعض الشيوخ يستنجدون بالقرآن لدى العسكر ليبقوهم في قراهم التي أحبوها وأحبتهم، فما كان جواب العسكر إلا : إن هذا القرآن ليس بقرآنكم، إنما هو قرآن العرب !! أو : إننا نفعل بكم هذا، فليأت ربكم ليحميكم!!

3 ـ ترغيب العرب بالمال والمنح والمسكن  للزواج بالكورديات ومنحهم إمتيازات خاصة بغية القضاء على العنصر الكوردي.

4 ـ قتل عشرات الألوف بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ وعدم تسليم جثتهم إلا بعد دفع ( 200 ) دينار أجرة الجزار.

5 ـ إختطاف 8000 آلاف شخص، أي جميع أهالي مجمع قوشتبة في محافظة أربيل بين عشية وضحاها، ولا أحد يعلم اين هم الآن، هل هم أحياء أم في عداد الموتى، واغلب الظن أنهم صفوا جسديا.

6 ـ البدء ومنذ شهر نيسان عام 1987 بقصف المنطقة بالقنابل الكيمياوية وقتل الالوف المؤلفة من الأبرياء في القرى والمدن. ولكن الصحفيين والمراسلين لم يحالفهم الحظ للدخول مثلما حالفهم في حلبجة لبعدها عن الحدود.

 

إن لجرائم هذه الطغمة الباغية قصصا ومأساة لا يسع ذكرها إلا مسلسلات وقصص الف ليلة وليلة.

هذا ومن المستغرب حقا أن تلعب الحدود المصطنعة دورها في دعم الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها. ونقول بكل أسف انه لو كانت وراء الاكراد دولة تساندهم لتعالت آلاف الأصوات وسودت آلاف الصفحات دفاعا عن مظلوميتهم.. لو كانت للأكراد راية لتسارعت الهيئات والأقلام ـ ويؤسفنا أن نقول حتى الإسلامية منها ـ لتتكلم عن المأساة وما حل بهذا الشعب من الدمار الذي يعتبر الثاني من نوعه بعد هيروشيما.. في حين لم يجعل الرسول العظيم صلى الله علي وسلم الحدود الوهمية شرطا للدفاع عن المستضعفين حين قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".

 

إننا لسنا من دعاة الحرب ولسنا من دعاة إستمرار الحرب العراقية الإيرانية، بل من دعاة إيقافها.. ولكن في الوقت نفسه نقول إنه سواء إستمرت الحرب او توقفت فهي على حساب الأكراد، إن لم يرتدع مصاص دماء الشعب العراقي صدام حسين. وإن هذا الحزب العلماني الذي يقوده العفلق الماسوني غارق في عداءه للإسلام وله خطط جهنمية للإجهاز على هذا الشعب والقضاء على دينه.

 

فنحن بإسم الأسلام نتوجه إليكم وبنداء القرآن نناديكم ونقول " إنما المؤمنون إخوة ".. فإخوتكم في كوردستان العراق يعيشون مأساة حياة أو موت بيد الطغمة الفاشية في العراق والتي اباحت لنفسها المجرمة إرتكاب أفحش المنكرات بحق شعب تحولت بلاده إلى سجن كبير وظلم ساحق.

 

إن تعرية الظالم الذي قتل خمسة آلاف برئ خلال عدة ساعات فقط في يومي 16 ـ 17/3/1988 بغازات الدمار كفيلة باحقاق الحق في شرقنا النائم بين حضن التعتيم الإعلامي والذي يجعل من مجرم كحاكم العراق بطلا للقادسية الثانية وشيخا من احفاد النبي عليه الصلاة والسلام.

 

إن مأساة حلبجة الشهيدة حلقة واحدة من سلسلة فاشية حزب البعث العفلقي.. فالمأساة لم تنته ولن تنتهي مادامت هذه العصابة باقية تتحكم في رقاب شعب قدم اروع صفحات المجد والعز للتأريخ الإسلامي وأنجب رجالا أفذاذا أمثال صلاح الدين اليوبي والشيخ سعيد الكوردي.

 

إن من واجب كل مسلم غيور يحب دينه أن يرفع صوته ويثأر دفاعا عن شهداء الأمة الإسلامية الذين حصدتهم الغازات الكيمياوية السامة في مدينة حلبجة الشهيدة.

 

وإن من واجب كل جماعة أو هيئة إسلامية تعيش صحوة الإسلام ان تقول كلمتها وأن لا يكون تعنت إيران أو تعصبها المذهبي سببا للسكوت على جرائم هذا الحزب الكافر.. فان المشانق مهيئة لتعلق عليها الأسلاميون بعد تصفية الحسابات مع إيران.

 

وإن من واجب كل قلم مسلم أن يحول مداد كلماته إلى سم قاتل للظلمة وان لا يجد الأعذار لظلمهم وقتلهم الأبرياء.

 

اللهم رد كيد المجرمين إلى نحورهم ومزقهم شر ممزق واجعلهم عبرة لمن يستبيح أرواح الشعوب ويعيش بغيضه عليها.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

ئيسلامخوازاني كوردستان له ئه وروبا                                 أسلاميو كوردستان في أوروبا

نيسان 1988 زا                                                              نيسان 1988 م

ره مه زان 1408                                                            رمضان 1408 هـ

 

* لم يذكر إسم كاتب المذكرة وقتئذ.

 

( لا تنس أن هذه المذكرة كتبت في عام 1988 )

 

         

 

           

 

04/07/2007