عبداللطيف بندر اُوغلو.. لم افاجَأ باختياره وزيرا في حكومة كوردستان

 

محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

 

الأستاذ عبداللطيف بندر اُوغلو من الكتاب والشعراء التركمان المعروفين الذين خصصوا جل حياتهم من أجل خدمة تراث وأدب شعبهم وفي إطار إنساني، خشية الضياع والتدهور.. والمعروف عنه إنه احتفظ بشخصيته العلمية والثقافية وإتزانه طوال تسنمه مناصب حكومية من دون أن يركع للصنم أو يبالغ في إضفاء صفة الألوهية على الطاغية، كما كان عهد الكثيرين.. وكان من النوع الذي فرض نفسه بعلمه ونزاهته وإخلاصه الوظيفي المهني على المنصب لا بتملقه أو تزلفه أو التعلق بأهداب السلطة.. وأظن بأن أمثال السيد اُوغلو لم يكونوا قلة في المحافل العلمية والثقافية سواء في كوردستان او في العراق في العهد البائد، سواء من بين شخصيات عربية أو كوردية أو تركمانية أو كلدوآشورية، فان هؤلاء بقوا في البلد وأشرفوا على مجالات ثقافية وعلمية أفادت الكثيرين، من دون ان ينتقض وضوءهم خوفا أويتنازلوا عن شهامتهم طمعا في دنيا.. فبرغم أن جريدة ( هاوكاري ) أو مجلة ( بيان ) أو ( رنكين ) كانت تصدر في بغداد وباللغة الكوردية، فلا ينكر أحد بأن تلكم الإصدارات قد لعبت دورها في تنمية وإرواء الكثير من القابليات الأدبية والنقدية والشعرية، بل تفتقت بها قابليات وتشكلت وأبدعت من خلالها أقلام، وإن كانت الصفحات الأولى منها مخصصة لأقوال وخربشات القائد عنترة.. وكذلك جريدة ( يورد ـ الوطن ) التركمانية التي كانت تصدر في بغداد عن مديرية الثقافة التركمانية، وكان الأستاذ عبداللطيف بندرأوغلو رئيس تحريرها.

 

إن مغادرة الوطن بفعل طغيان ومطرقة الطاغية لا تعني في كل ألأحيان حق إكتساب جائزة الوطنية ووسام النضال والبطولة لمن عاد بعد السقوط، مثلما أن البقاء في جحيم الطاغية وتحمل اهوالها لا يعني في كل الأحوال التقليل من شأن الإنسان الذي إلتصق بأرضه بالرغم من الملمات والمعاناة، ولم يهرب.. قد يكون الجبن المغلف بالبطولة والتحدى سببا للهروب، كما تكون الشجاعة الموصوفة بالقعود سببا في البقاء.

 

 إن هجرة بعض المغرر بهم من شباب التركمان إلى تركيا، أدى ـ وللأسف ـ إلى إلحاق أكبر ضرر بهم وبتصوراتهم، نتيجة تأثرهم بالأفكار الكمالية التي لم تجلب لهم إلا الكراهية وبالتالي جعلت طائفة منهم ( كأنهم حُمُرٌ مُسْتنفرَة، فرَّت من قسْوَرَة ) وما زادوا للأخوة والتعايش التاريخي إلا نفورا، كل ذلك بسبب تاثيرات أشخاص محسوبين على التركمان إستغلوهم، من الذين باعوا أنفسهم لأطراف لايريدون الخير لا للتركمان ولا لغيرهم، ونفخوا فيهم من روح الحقد والشوفينية ما هي بعيدة عن طبيعة التركمان الوديعة.. في حين نرى أن العلاقات بين الجاليات العربية العراقية والكوردستانية هي في مستوى آخر بعد إنهيار صرح الغول في بغداد،  حيث تشهد تقدما مزدهرا ملموسا وفهما متبادلا بين الطرفين، بل في إزدياد يوما بعد آخر، لكون هذه الجالية لا ترتكن في صِلاتها إلى إيحاءات ومصالح الآخرين من اعداء الشعوب، والشذوذ لا يلغي القاعدة.

 

مع ذلك فاننا وبعد الهزائم التي لحقت بالأفكار الطورانية الطارئة التي كادت تقصف ببعض العقول اليافعة، وتبيان الحقائق والأحجام بعد الإنتخابات، أصبحنا اكثر تفاؤلا وإيمانا بأن مستقبلا مشرقا قد ينتظر الأطياف الكوردستانية كلها، من حيث المساهمة الجدية في بناء بلد جديد بمساحته الجديدة والعتيقة، وخاصة التركمان الذين يمكن إعتبارهم أوفر الشرائح حظا في المنطقة في التمتع بالحقوق في عهد حكومة كوردستان، بل لم يبق حق لم يُعط لهم.. ومشاركة الأستاذ عبداللطيف بندر أوغلو ( وهو من مواليد تازه خورماتو 1937 ) في التشكيلة الوزارية الكوردستانية، تعطي البعد الحقيقي لمساحة كوردستان التي تجزأت ظلما وقصدا رغم انف أبنائها.

 

لم ألتق الأستاذ عبداللطيف بندر أوغلو ولا مرة في حياتي.. ولكن قدَرَا ـ حينما كان بعيدا جدا عن منصب الوزارة ـ وفي مناسبات استمعت إلى بعض خطاباته واستمتعت ببعض اطروحاته في ندوات ثقافية أو سياسية على الهواء، لمست في أقواله الإتزان ونفحات الأخوة وحب كوردستان والإنسانية.. لهذا لم أفاجأ باختياره وزيرا في حكومة دولة نيجيرفان البرزاني وصحبه من كل القوى والأطراف، ويبدو ان الإختيار كان صائبا والإنتقاء عاقلا.. ولعل من خلاله ومن خلال الأخوة الآخرين من عقلاء القوم، تبدأ صفحة جديدة من الصحوة في العلاقات وتتبدد بقية الظلام القادم من أنقرة التي لا تضحك إلا حين تغتال البسمة على شفاه أبناء كوردستان حتى لو كانوا في شيلي.. كي يكون الكل على بينة من الأمر وعلى وعي مما يحاك ضدهم وما يجب أن يكون عليه الكل لبناء مستقبل أفضل، وبالتالي يتحقق أمل الشاعر الوزير الذي نقرأ له في قصيدته " حمامة بيضاء " وهو يصدح:

 

قلبي حمامة بيضاء

تعبر البحار المائجة

بالبهجة

وتحمل أناشيد الحرية

مع طيور الحب

إلى الناس في العالم

قلبي حمامة بيضاء

قلبي أبيض

وحمامة

 

لابد أن تستفيد المؤسسات الثقافية والعلمية في كوردستان من خبرة وعلم الأستاذ أوغلو الذي إرتحل عن بغداد، ليحط بحمامته البيضاء وبقافلته الفكرية الثرة التي تحمل في طياتها حوالي 40 كتابا في عاصمة سويد الشرق هه ولير التي نرجو أن ترسل بنور ألوانها الزاهية على منطقة الشرق الأوسط كلها.

 

وأخيرا، يتردد في نفسي ـ وفي هذه العجالة ـ هاجس يقول بأنني قد إستعجلت في التقييم والتزكية، وكان لابد من الإنتظار والروية ..ولكن لا اخفي عن قارئي الكريم بأن صلتي ـ ومن منحى آخر ـ بالأستاذ الوزير بدأت منذ عام 1982 دون أن أراه، حينما إقتنيت معجمه القيم التركي ـ العربي والذي ألفهُ بمشاركة أستاذين فاضلين آخرين هما الدكتور إبراهيم الداقوقي ومحمد خورشيد داقوقلو، وهذا المعجم هاجر معى إلى السويد وحصل معي على الإقامة، وكلما ضقت ذرعا بمعنى كلمة أواستصعب عليّ فهم مصطلح إستنجدتُ به ولم يُخيبني.

 

 وبين هذا التردد المقبول والهاجس المعقول والمواقف التي شاهدتها وشهادة بعض من عاصروه في بغداد من الرجال العدول الذين أثنوا عليه قبل أن أسمح لهذه الكلمات بالنزول، تولدت عندي الجرأة في التصريح بان امثال الأستاذ عبداللطيف بندر اوغلو ـ بعلمهم وموسوعيتهم ـ سوف لن يخيبوا ظني وظن شعب كوردستان ـ بكل الوانه ـ وكذلك ظن الدولة الفيدرالية المزمع تشكيلها.. ولعل ألمستقبل القريب يكشف عن صدق الظنون وسنبصر قبل ان تدركنا المنون.

 

mohsinjwamir@hotmail.com

 

           

 

02/09/2015