التركمان ليس لهم قضية

 محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

 

بين الفينة والأخرى أطلع على مقالة هنا وقصاصة هناك، من كتاب تركمان يتحدثون فيها عن واقعهم والمظالم التي تعرضوا لها،  داعين المسؤولين وبعتاب في الخطاب إلى إنقاذهم والتعويض لهم بما يناسب ما وقع عليهم، من خلال إشراكهم الفعلي في المسؤوليات من القمة إلى القاعدة بما يعود عليهم من فائدة..وأغلب ما يكتبونه عادة يتميز بالحماسة، أو هجوم على الأطراف والساسة، من دون الإستناد إلى واقع أو إحصاء او ادلة مقبولة يمكن الاخذ بها عند الضرورة والحاجة الماسة.

 

بطبيعة الحال، الكل له الحق في أن يدلي بدلوه وأن يتحدث عن شأنه ويشكو من أمره ولا يجعل عقدة في لسانه، في كل شأن من شؤونه، ومن يقف دون تحقيق هذا الأمر، فهو إنسان لا يؤمَنُ مَكره.. ولكن مع ذلك يجب ان يكون المشتكي كيسا فطنا وعنده من الحجة والوثائق ما يرغم المقابل على أن يشهد له بالحق.. أما أن تأتي وتصرخ وتعاتب وتتهم، فهذا الإسلوب عادة يصاب في الأخير بداء العقم والنكسة عند القرار والحكم، لانعدام الأدلة الثبوتية والعلل التي تسكت الخصم.

 

وجود التركمان كشريحة إجتماعية ذات خلفية نقية في كردستان، لا أحد ينكره وهم أهلنا وأقاربنا وجزء منا لا ينفصم.. أصابهم ما اصابنا، بحلوه ومره، وإن كان نصيبنا من تذوق مرارة العلقم اضعافا مضاعفة تأريخيا وجغرافيا.. وأحببناهم إلى درجة أتقنا لغتهم بجانب لغتنا كي من بعضنا نفهم، ولا أبالغ إذا ما قلت أننا تركنا الكوردية وجعلنا التركية لساننا لعدة قرون في الشعر والأدب وما سطره القلم.. وحين جاءت السياسة الملعونة وضربت بأطنابها، قيل لنا أنتم أتراك، بالكوردية لا تتكلموا.. وقيل لنا هذا الكلام بعد أن ظننا أن السلاطين جاءوا من السماء مع السحاب والغمام وهم ذوو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ولكننا في الغرائب والمعجزات لا نفهم. واعتقد ان ما فعلناه وتصورناه ـ وبحسن نية أو قل سذاجة ـ لم يكن إلا خطأً كورديا لا يتحمله إلا أهله وإن كان هناك ما يبرره، وإلا ما حاجة الشعوب الأخرى إلينا بكتابة أشعار الغرام بلسانهم في النساء، أليس لهن رجال ولنا نساء ؟!

 

كما أشرت فأن ما تعرض له الكورد من قهر إثني وثقافي وتاريخي وجغرافي وإجتماعي ولغوي، لم يتعرض له التركمان وليس هناك أوجه شبه أصلا..هذا في وقت إنعدم للكورد الظهير القومي الموجود للتركمان دائما وأبدا، بحيث إنهم إذا ما تعرضوا في بقعة ما لإضطهاد ثقافي أو عرقي، فإن هذا لا يصل بهم إلى حالة من اليأس والقنوط، كما يحدث للكورد، لوجود رصيد لهم ولو في بقع أخرى كتركيا وتركمانستان وأخرى مثلا، ولكن هذا الإحتياطي غير متوفر للكورد ولا هو مضمون.

 

ويمكن القول بأن وجود هذه الدول التركية وباضافة الخلفية التأريخية المرتبطة بحكم خلفاء العثمانيين وسطوتهم وجبروتهم، ولكون أغلبية التركمان الذين نزحوا مع عوائلهم إلى المنطقة ـ وهذا ليس من باب الشماتة فهو واقع ـ ومنها كوردستان واستقرارهم في المناطق الإستراتيجية بين الكورد، كانوا مبعوثين ومفوضين من السلطنة العثمانية وفق برنامج خاص.. لذا فان نظرة الناس نحوهم كانت بطبيعة الحال منطلقة من كونهم يتعاملون مع الحاكم والقوي من موقف الضعفاء، مع إحتفاظ التركمان ـ مع كونهم أقلية ـ بالنظرة الفوقية للآخرين من دونهم من الناس كرعايا.. وهذه حالة بشرية في ظل نظام معين وكارل ماركس خير خبير في هذا المضمار لمن يريد دراسة الطبقات ومعرفة الأسرار.. وإن هذا العامل مازال وحتى اليوم يلعب دوره في نفوسهم، بكونهم هم الأصل والرأس وما عداهم يجب ان يخضعوا من دون بأس.. وهذا يحصل في وقت اصبح الآخرون منفتحين على قراءة التأريخ ومعرفة الجغرافية ويرفضون هذا الموقف السلفي، بل يدينونه، بالإضافة إلى المتغيرات السياسية الحاصلة في القرن الماضي والحاضر والتي كان لها تاثيرها على الافكار ودرجة تقييم الأشياء.

 

والطامة الكبرى تكمن في أنه إنطلاقا من تلكم الموروثات العثمانية ومن بعدها الأتاتوركية، حاولت بعض الأطراف السياسية الظهور في الساحة من خلال إشاعة تمجيد الماضي وإحياء الفوقية من بين  التركمان وإنتزاع الإعتراف من الآخرين كذلك، من دون التعامل بالمثل حتى.. وإصطدم كل هذا بواقع جديد لا يعترف بهذه الطروحات العتيقة ولا يعطيها المصداقية، وقد تضررالتركمان نتيجة هذه الإكتشافات.. وما النكسات النفسية والروحية التي حصلت لهم في الفترة الماضية، إلا لكونهم قرأوا الواقع والتأريخ بشكل عفوي موروثي خاطئ غير عصري ومرفوض.

 

إضافة لما سبق، أظن أن هناك مشكلة أخرى ـ موصولة الصلة بالكبرياء الموروثة ايضا ـ يواجهها المهتمون بالشان التركماني,  وهي التملص من الإعتراف بواقعهم السكاني وعددهم وطبيعة تواجدهم المتفرق في كوردستان والعراق.. وكأن الرضوخ للحقائق يعني كسر الشأن وكأن الناس لا يرون ولا يقرأون ولا يتحسسون.. والأنكى من ذلك هو خلق التبريرات والحجج الضعيفة الواهية لدحض الحقائق، كما حدث قبل واثناء وبعد الإنتخابات، مع العلم أن الفارق بين نتائج الإنتخابات الأخيرة والتي جرت في عهود الملكية ويميل الكثير إلى قربها من الصحة والواقع، لم يكن كثيرا.

 

إن كون التركمان أقلية منقسمة على نفسها في البقاع الكوردستاني خاصة والعراقي عامة يستحيل جمعها حتى خيالا، ليس عيبا.. كما أن كون الكورد الفيليين بملايينهم في بغداد والكوت والعمارة أقلية، ليس سبة، وكما أن كون كورد لبنان اقلية ليس عارا .. وهذا لا يعني كذلك غض الطرف عن حقوق الأقليات بوجود الأكثرية وكذلك لا يعني معاندة الأقلية للأكثرية، لأن الكل يجابه الصعوبات في الأخير.. بل يجب إيجاد الأسس التي تحفظ للأقلية هويتها وثقافتها وعاداتها ولغتها من خلال المؤسسات والأجهزة المعنية وفي ظل الدستور والقوانين بالتناغم مع لغة الأغلبية المجاورة وثقافتها .

 

أكاد اقول بانه لو عامل الطرف الكورديُ التركمانَ بمثل منطق من يحسبون أنفسهم حماة التركمان وعدو الكورد ويخرجون ضدهم كالقذيفة المنطلقة في كتاباتهم ومناسباتهم، لما تمتع التركمان بعشر معشار ما يتمتعون به الان.. ولو أن كورد شمال كوردستان في تركيا الذين يزيد تعداد نفوسهم عن 15 مليون نسمة حصلوا على عشر معشار ما حصل عليه التركمان الذين لا تزيد نفوسهم عن نصف مليون نسمة في كوردستان والعراق حسب التقديرات الرسمية، لما وجدتَ أحدا اليوم معتصما في جبال قنديل يناهض تركيا، ولما وجد الجيش التركي ذريعة للزحف على بلاد الكورد لإبادتهم عن بكرة ابيهم.

 

ما يدعيه ألآخرون من وجود قضية تركمانية ـ والتي لا ترتقي في اهميتها حتى إلى دون مستوى مشكلة الكلدو آشوريين وما أتت عليهم من مصائب ودواهي عبر التأريخ ـ أو تشبيهها ـ عند المخدوعين ـ بقضية شعوب غدرهم الدهر والعبد حيث لا سيطرة لهم على أرضهم أو هي محتلة كالشيشانيين والفلسطينيين والكشميريين، لا يعدو كونه إلا ضحكا على الذقون أو إدعاءات منفوثة إلى نفوسهم من وراء الحدود خاصة لتقليل الشأن الكوردي الممزق إلى أوصال، وبالتالي خلق حالة خلخلة في نسيج الكيان الكوردستاني الموجود حاليا !

 

 لا نبالغ إذا ما قلنا بأن قضيتهم الأساسية لا تتعدى حدود معارضة الكورد وتشجيع الغرباء الحالمين بغزو كركوك ولو على أشلاءهم هم بغية تأزيم الوضع من خلال مضاعفة عدد الآخرين حتى لو كان على حساب عددهم وثقافتهم وتراثهم.. وموقفهم من الكورد أقرب إلى القطيعة منها إلى إلقاء اللوم بالتحرير والخطاب.. وبراءتهم من الكورد والتي أفرزت لديهم نوبات هيستيرية وصلت إلى درجة يستحبون موتهم على أن يرونهم وهم يرف لهم جفن، واوتار قيثارتهم لا تعزف إلا على لحن مضغ الغيض تجاه الكورد !

 

 وإلا فانهم بكل خير وليس لهم قضية تدعو إلى قراءة المرثية !

 

mohsinjwamir@hotmail.com

 

           

 

02/09/2015