لن تستطيع تركيا إطفاء شعلة قنديل..!

محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

 

كما ورد في خبر نشرته شبكة الأخبار الكوردية، فان تركيا إستنكرت التصريحات الأخيرة للرئيس مام جلال بشأن تلقيه وعدا من الولايات المتحدة بعدم قيام انقرة باي عمليات عسكرية ما وراء الحدود.. وقد أكد المتحدث باسم الخارجية التركية نامق تان في تصريح صحفي : إن تركيا دولة مستقلة تتخذ قراراتها بنفسها.. ولن تتردد في إتخاذ أي تدابير أمنية عندما يكون امن دولتهم هو موضوع الحديث ".. وختم تصريحه قائلا بأن " على العراق أن يكون ممتنا لتركيا لسعيها من أجل تطهير شماله ـ جنوب كوردستان ـ من المنظمة الإنفصالية " .

تأتي هذه التصريحات في وقت جمعت تركيا قواتها على الحدود الكوردستانية التركية بالتعاون مع خصمها إيران التي أجمعت الدنيا على كونها راعية للإرهاب ـ ويبدو أن تركيا تعجبها كثرة الخبيث ـ وذلك من أجل ضرب قواعد المناهضين لسياساتها  في جبل قنديل، ويشهد العالم بأنهم ابدوا إستعدادهم سواء كتنظيم أو من خلال تصريحات زعيمهم، لإقرار السلام من خلال الحوار والمفاوضات.

ولكن يبدو ان العقلية  العسكرتارية التي بنيت على أساسها الجمهورية التركية والتي من خلال فوهات بنادقها تتحكم وتفرض نفسها، مازالت هي  الفيصل في التعامل مع مطالب الشعوب المغدورة، وتتغير الدنيا ولا تتغير هي، وكانها تنتقل مع الجينات من جيل إلى جيل وكأن بعضهم من بعض إلى يوم ( فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ).

 

 ولكن هل التصارع مع الحقائق والبديهيات الإنسانية والسنن الكونية، يجدي نفعا على طول الخط، وهل التخفي وراء المصطلحات المنحطة مثل محاربة الإنفصال أو الحفاظ على وحدة التراب على حساب حقوق الشعوب المحرومة  ـ لا من حق فقط ـ وإنما من كل الحقوق ـ يصفق لها الناس إلى ما لا نهاية.؟!.. ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذبا )..

إن أسوأ عقلية في العالم هي العقلية التركية التي تعود طريقة تعاملها مع الشعوب إلى يوم غزوها للمنطقة والذي لا يشك عاقل في كونه إحتلالا وإستبدادا وليس تحريرا، وما هو موجود ومفروض اليوم ليس إلا من إفرازات تلكم الحماقات التي اقترفت في ذلك التأريخ السحيق والتي مزجت باختلاق حديث مفترى على لسان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام  ( لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ونعم الجيش جيشها ).. ومازال هذا القول المختلق محفورا على مدخل مقبرة السلطان محمد الفاتح في اسطنبول زورا وبهتانا، وقد حولوا ضريحه بهذا القول الكاذب إلى صنم يكاد يُعبد.. وكل علماء الحديث يؤكدون أنه موضوع وقول ساقط، ومنهم المحدث الألباني .

قبل أكثر من عقد وفي عهد السيد توركوت أوزال رحمه الله، إقترح مام جلال ليتوسط بين تركيا والكورد وأقنع السيد اوجلان بذلك، ولكن الاتراك ابوا إلا ان يحاربوا لحين إنهاء المشكلة وسُمم المرحوم أوزال.. وبعد أن القوا القبض بأبشع صورة على اوجلان، ظنوا بان العصيان قد أنتهى وخلت لهم الساحة، ولم تخل فازداد العنصريون تفاهة ووقاحة .. واليوم ياتي احد عقلاءهم ويستنكر ما يقوله السيد مام جلال، بل يطالبه بان يشكرهم على نيتهم الدخول إلى جنوب كوردستان وإغراق المنطقة في الدماء وتدميرها، تحت ذريعة تطهيرها  من الإنفصاليين ..ألا تبّت ألسنة المكذبين الظالمين !

إن هذا التصريح الأخير إن دل على شئ فانما يدل على مدى التقهقر والغباء الفكري والسياسي الذي أصاب الساسة الأتراك الذين لم يقرأوا فكر الساسة والرجال الذين يخاطبونهم..وما الضرب على أوتار " الإرهاب " و " المنظمة الإنفصالية "  إلا هراء في هراء ودليل على خطأ قراءتهم للتاريخ بل جهلهم بابجدياته.. وان الذين بأيديهم الحكم اليوم ويقودون دولة في بغداد وأخرى في كوردستان لم يكونوا حسب وجهة نظر تركيا إلى الأمس إلا جماعات إنفصالية تريد تشتيت الشمل وتمزيق وحدة البلدان، واليوم أصبحوا رموزا ورؤوسا لتثبيت أسس السلام في المنطقة من خلال إحترام حقوق الإنسان .

لعل تركيا تذكر جيدا تجربة كورد جنوب كوردستان مع الدكتاتور، بحيث وصل أمرهم في يوم ما ـ نتيجة غدر النظام وقسوته ـ إلى حالة أن صرح المسؤولون ـ وعن قناعة ـ في بغداد عشرات المرات بأنه لم تعد هناك قضية باسم القضية الكوردية، واصبحت الكرة إلى يوم القيامة في ساحة النظام وانفرط عقد الكورد تماما وانتهت الطامة، حتى وصل الأمر بالطاغية ان يعفو عن كل مسئ إلا مام جلال.. ولكن النصر أتى الكورد في وقت لم يكونوا على موعد معه، وتهاوى الذين أرادوا إلغاء قضيتهم وأصبحت ( بيوتهم خاوية بما ظلموا ).. واستخلف الكورد  وجاء وعد ( وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) وسكن مام جلال وصحبه في مساكن الذين ظلموا بالأمس وجعل الظالمين ( سلفا ومثلا للآخرين ) .

كذلك مع كورد شمال كوردستان فإن غدا لناظره قريب.. لا ريب ان المظاهرات العارمة والإحتقانات الحاصلة والمقاومات الباسلة التي شهدتها مناطق في شمال كوردستان أخيرا، وبوادر الإحتجاج التي بدأت كرّة أخرى هذه الأيام في أوروبا ـ نتيجة الظلم ـ والتي هي أول القطر، دليل على أن هناك إمتدادا لحالة الرفض التي طال أمدها ولابد للمكبوت والمرعوب من فيضان إذا لم ترعو تركيا، إضافة إلى وضوح الرؤية والواقعية لدى العالَم المُنصِف الذي يرى بأن ما تمارسه تركيا ضد الكورد يتجاوز كل الحدود ويخالف كل الشرائع وليس الأمر منحصرا في وجود مقاومة كوردية مسلحة تهدد، خاصة في حال إستعداد رجال المقاومة للحوار والسلام.. إنما هي حرب إبادة مبَيتة ناشئة عن أحقاد نشأت عن النظرة الفوقية التي أتت بها الكمالية واصبحت كانها حقائق أزلية.. لا بد من إزالتها وفضحها وجعلها أحاديث  في يوم ما، وهذا مؤكد :

تنام عينك والمظلوم منتبه     يدعو عليك، وعين الله لم تنم

قد تفلح تركيا  بظلمها ووحشيتها  من تحقيق بعض حماقاتها ومراميها الدموية الخسيسة تجاه المنطقة، بالقوة العسكرية الهمجية التي تملكها.. ولكن حقيق بهم أن يعرفوا بان مع هذا القنديل الذي يستهدفون  إطفاء شعلته ويفشلون، قناديل كثر ومشاعل قدّر لها أن تنوّر وتنتصر على الذين يتربصون بالكورد ريب المنون.. وكذلك هناك في كل كوردستان جماهير على أهبة الإستعداد لبناء جبال من قناديل بشرية لمقاومة ( الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد )  ودعاة نظرية ( ما أريكم إلا ما أرى ) الذين لابد  وبحكم القدر أن يندحروا وينتحروا !

ومن لا يصدق، فليعد قراءة  ما حصل في جنوب كوردستان، فان فيه الكثير من العبر لمن في رأسه عقل يفكر به أو بصر يبصر به أو فم يأبى أن تخرج منه انكر اصوات الإبادة التي لا تليق بكرامة البشر .

 

mohsinjwamir@hotmail.com

 

           

 

02/09/2015