الخطاب الفكري والمنهج النقدي في أدب طه حسين
  للدكتور خالد يونس خالد

 

حكيم نديم الداوودي  

                

                                                           

 

صدر عن مؤسسة دراسات كردستانية في السويد، كتاب حول الخطاب الفكري والمنهج النقدي في أدب طه حسين. للدكتور خالد يونس خالد، ويقع الكتاب المذكور في 146 صفحة.يهدى الباحث  الدكتور كتابه الى ذكرى أستاذه الدكتور جلال الخياط، وجاء في كلمات إهدائه: الى ذكرى أستاذي الدكتور جلال صبري الخياط قلب مفعم بالايمان، وفكر إنساني نيّر، ووفاء مضفي بالمحبة وأدب بلا إنتهاء. وشعلة نور لا تنطفيء في ذاكرة الأيام. وكما جاء في مقدمة الكتاب بأن هذه الدراسة أدبية فكرية، منهجية نقدية للخطاب الفكري والمنهج النقدي لعميد الأدب العربي الراحل طه حسين. أنها تبحث في تحقيق منهج البحث لطه حسين، في دراسة الأدب العربي القديم. ولا سيما في كتابيه في الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي. والهدف من هذا الكتاب هو : معرفة منهج البحث لدى طه حسين في دراسة الأدب العربي القديم والأسس الفكرية والمنهجية لنظريته النقدية...وعليه تنبغي دراسة الثنائية الفكرية العربية الإسلامية والفرنسية الأوروبية لطه حسين وتأثير هذه الثنائية الفكرية في نظريته النقدية في الأدب العربي بصورة عامة والشعر الجاهلي بصورة خاصة. والكتاب يتضمن أربعة فصول عدا المقدمة، وملاحظات الباحث المنهجية. وفي موضوع ملاحظات منهجية تناول- مسألة القديم والجديد والصراع بينهما.( لقد شمل الصراع بين القديم والجديد في العالم العربي كل نواحي الحياة بما فيها الأدب والنقد، وعليه فلابد من وجود هدف لأي جهد علمي وأدبي ليتم إنجازه وهذا ما يجر الباحث الى ميدان الصراع لخدمة المعرفة الإنسانية).وركز الباحث في معرض ملاحظاته المنهجية على مسألة المنهج  العلمي،- المنهج الذي أتّبعه في هذه الدراسة هو عدم التسليم بصحة الإفتراضات والمتغيرات التي طرحها طه حسين والرواة والمستشرقون قبل التدقيق والتحقق منها، وذلك عبر الدراسة والإستنتاج والإستقراء. وبهذا ينبغي رد الفروع الى أصولها والتيقن من صحة فكرة ما-.وختم الباحث خلاصة ملاحظاته المنهجية باتباعه لطريقة واحدة في دراسته وهي التي تشمل وحدة الموضوع، وحدة الشكل، وحدة المنهج، وحدة الهوامش ووحدة المصادر والمراجع التي تطابق كتابتها مع كتابة الهوامش المفصلة وبهذا الشكل تكون وحدة الموضوع متماسكة لكي لا يضيع القاريء في التفاصيل- .       

 وفي الفصل الاول من الكتاب تناول الباحث د. خالد مسالة منهج البحث لدى طه حسين في دراسة الأدب العربي القديم، تطرق في مستهل بشكل مفصل في مبحثه حول منهج ديكارت الفلسفي:الشك الديكارتي، موضحاً ذلك المنهج: بأن المنهج الذي نبحثه ونتحقق منه في هذا الفصل هو منهج البحث الذي طبقه طه حسين في دراسته للشعر الجاهلي في كتابيه – في الشعر الجاهلي و- في الأدب الجاهلي-. من المهم الإشارة هنا الى ضرورة التمييز بين هذا المنهج والمنهج النقدي الذي طبقه طه حسين في دراساته الأدبية النقدية عامة والشعر الجاهلي خاصة. يقول طه حسين،فلنصنع هذا المنهج حين نريد أن نتناول أدبنا العربي القديم وتاريخه بالبحث والإستقصاء، يعني طه حسين بالأدب العربي القديم، الأدب الجاهلي، في كتابيه، في الشعر الجاهلي، والأدب الجاهلي.وبعد تعريفه لمنهج ديكارت الفلسفي نقل لنا الباحث، جانباُ مهما من تصور طه حسن لحرية الأدب والأدباء: ان الصراع بين القديم والجديد قديم وسيستمر، وأنه لا يقبل شيئاً من أقوال القدماء في الأدب العربي قبل التحقق منه. وعليه فالحرية ضرورية للأدب لجعله غاية بعد أن كان وسيلة. لأنه كيف يمكن تكذيب أو نقد اللغة والأدب من الناحية العلمية والمنهجية إذا لم تكن للأدب والأدباء حرية-.وحول قداسة اللغة العربية عند العرب والمسلمين نقل لنا رؤية طه حسين حول تلك القداسة بأن : اللغة العربية عند العرب والمسلمين مقدسة لأنها لغة القرآن، ووسيلة لفهم القرآن، ولكن اللغة العربية في حاجة أن تتحرر من هذا التقديس وتخضع للدراسة والبحث والنقد ليستقيم الأدب أيضاً.وضمن  تلك الرؤية وجه الباحث سؤالاً منطقياً عن آلية تحرر اللغة العربية بأن طه حسين- لم يبين علميا أن تحرر اللغة العربية من التقديس يؤدي حقاً الى تحرر الأدب والأدب ليستقيم الأدب. يقع طه حسين في التناقضات بهذا الصدد في طرح أفكاره عن اللغة العربية.- ويبين جانباً آخراً من تلك التناقضات بن طه حسين – عندما يريد أن يحرر اللغة العربية من التقديس ويخضعها لعمل الباحثين كما تخضع المادة لتجارب العلماء. يعني أن يحرر القرآن الكريم من التقديس أيضاً. لأن أي تشويه وتغيير في قواعد اللغة العربية وثوابتها يعني تشويهاً للقران الكريم. وطه حسين نفسه يقول: إن الدين لم يعتد وحده على العلم، بل اعتدى العلم على الدين أيضاَ حينَ آلَ إليه السلطان-.            

وحول مدى أستفادة طه حسين  من مؤرخي الأدب الذين سبقوه في دراساتهم: ذكر الباحث تلك الفائدة بأن طه حسين أستفاد من مؤرخي الأدب الذين سبقوه في دراساتهم في إتباع الشك منهجاً للتحقق من الدراسات الأدبية والفكرية.وأشار طه حسين الى بعض هؤلاء في كتابه -التوجيه الأدبي- الصادرعام1949. وحول نقد طه حسين للقدماء في عدم اتباعهم طريقة التدقيق والتحقق في نقل الآثار الأدبية.أورد لنا الباحث جانباً مهماً من رأي طه حسين بأن طه حسين أشار بهذه الصيغة الى إختلاف الناس في صحة الشعر الجاهلي. كما انتقد القدماء لأنهم لا يتعبون أنفسهم في التدقيق والتحقق، وإنه يجب أن نشك ونسأل، إذا كان هناك شعر جاهلي وماذا يمتاز به هذا الشعر-.وضرب لنا المؤلف مثالاً من الباحثين المسلمين من القرون الوسطى كأبو حامد الغزالي : الشك منهج الوصول الى الحقيقة.ونقل لنا موجز يقينه عن طريق الشك: زعم الغزالي أنه توصل الى الحقيقة عن طريق الشك بعد أن درس الفلسفة اليونانية وعلم الكلام الإسلامي الى أن وصل الى مرحلة الصوفية فنظر الى قواعد الشريعة نظرة شك مما أدى الى معرفة الحقيقة الباطنة. لقد وصل الشك بكل من الغزالي وديكارت الى فقدان الثقة بالحسيات. أي أن الحس لا يمكن أن يكونَ مصدراً للمعرفة،لأن الحواس قد تخدعنا. فقد ظن الغزالي مثلاً ان العين ترى الظل ساكناً وهو في الحقيقة متحرك. وهذا ما قاله ديكارت بعد الغزالي، أن الحسن يخدعنا والحقائق العامة التي ندعيها معرضة لتأثير المخيلة والوهم.ويختم المؤلف شكوك الغزالي ببلوغه لليقين :كان الشك عند الغزالي طريقاً ليبلغ اليقين لكنه كان متيقناً من وجود الله تعالى وهذا ما أعتقده ديكارت أيضاً إن الله موجود وهو كامل. وقال الغزالي بقدرة معرفة الحقيقة حتى من أفواه الخصوم وضرورة فصل حقائق العلم ومبادئ الشريعة لأن – العلم يستند الى العقل، والدين ينبجس -يأتي - من القلب. وبهذا المعنى قال طه حسين إن الإيمان في القلب والشك والنقد في العقل.

أما حول مسألة تدقيق منهج البحث في الشعر الجاهلي وفي الأدب الجاهلي، فيفصل الباحث في  تلك المسألة.بأن - الشك يعني عدم قبول الشيء أو الفكرة قبل التحليل والنقد والتحقق من صحتها.ولعل تأثر طه حسين بديكارت قاده في البحث الى الأصول الفلسفية للعلم الحديث، بعبارة أخرى أنه أراد أن يتبع القواعد العلمية أو العقلية في التحليل والتدقيق.أما إدعاؤه أن منهج البحث الذي طبقه في دراسة الأدب الجاهلي هو منهج ديكارت الفلسفي أو ما سمي ( منهج الشك الديكارتي ) دون غيره فقول في غير موضعه.وينهي الباحث الفصل الاول بان الشك ( بحد ذاته لا يمكن أن يكون برهاناً على إنكار شيء كالشعر الجاهلي مثلاً، لأن الشك يعني عدم قبول شيء إلاّ بعد تحليله وتدقيقه والوقوف على صحته. إنه يريد أن يملك الحقيقة في كتابه( الشعر الجاهلي). حين يعمم نقده على القديم كله،وعلى الأدب العربي القديم كله. ويريد أن يملك الحقيقة أيضاً حين ينقد الذين لا يقبلون الأدب العربي القديم، حين يعتبر هذا الأدب مركز فخر وإعتزاز العرب. منهج البحث الذي أستمده طه حسين من كل من ديكارت، والجاحظ والغزالي وطبقه في كتابيه( في الشعر الجاهلي) و( في الأدب الجاهلي) أثناء بحثه في دراسة الأدب العربي القديم. وقد أطلق عليه طه حسين اصطلاح ( المنهج الفلسفي)، تمييزاً عن منهجه النقدي.  وفي الفصل الثاني  الأسس الفكرية لنظرية طه حسين النقدية ، يذكر الباحث الآراء والمذاهب التي قيلت عن نظرية طه حسين النقدية.بأن هناك( آراء مختلفة عن نظرية طه حسين النقدية في دراسته للشعر الجاهلي. وهذا الإختلاف يعود الى التردد الذي عاناه طه حسين والمواقف المختلفة له من الأدب بسبب ثنائيته بين الشرق والغرب. وهذه الثنائية كانت بين عقلية الأزهر الإسلامية والعقلية العربية من جهة، والعقلية العلمانية والفكر الفرنسي الأوروبي من جهة أخرى.هذا الى جانب الآراء المتضاربة لطه حسين في الأدب، وتراجعه عن بعضها بعد أن حقق له ما كان يصبو إليه من كتابه( في الشعر الجاهلي)، وهو أنه نبه العرب الذين أهملوا التراث الأدب العربي القديم ليهتموا به بعد أن كانوا قد أهملوه. فمن خلال نقده وانكار صحة كثير منه بدؤوا يشعرون بأهميته ويدرسونه على الأسس العلمية المنهجية). تطرق الباحث في الفصل ذاته حول مذهب طه حسين في الحياة وخطابه الفكري،وتأثير أبي العلاء المعري في نظرية طه حسين النقدية، والى مسألة دعوة طه حسين الى الحرية الأدبية أو حرية الأدب ويذكر بخصوص حرية الأدب: تعد دعوة طه حسين الى (الحرية الأدبية)أو ( حرية الأدب) جزءاً أساسياً من نظريته النقدية. فإعطاء هذه الحرية للأدب يخرجه من قدسيته، وبالتالي يجعل الناقد ينقد هذا الأدب بحرية، لأنه يخضع للنقد كأي مادة أخرى.أضاف طه حسين موضوعاً جديداً بعنوان ( الحرية والأدب) في كتابه ( في الأدب الجاهلي). وأكد أن الحرية شرط أساسي لنشأة التاريخ الأدبي في لغتنا العربية. فهذه الحرية تُمَكِنَ الأدب أن يكون غاية وليس وسيلة، أي غاية في ذاتها وليس وسيلة إعلامية أو سياسية. وحول ثنائية طه حسين أنهى الباحث د. خالد الفصل الثاني:بالتوفيق بين الآداب العربية الإسلامية والآداب الفرنسية الأوربية.والشخصيات الرئيسة التي أثرت في فكر وتوجهات طه حسين، ومن أهم تلك الشخصيات التي أثرت في فكر وتوجهات طه حسين في الآداب العربية والإسلامية أبو حامد الغزالي، أبو عثمان الجاحظ، أبو العلاء المعري ، إبن خلدون ، عبد القاهر الجرجاني وأحمد لطفي السيد وعبد العزيز جاويش ومحمد عبده. و من الشخصيات  الذين تأثر بهم في الآداب الفرنسية الأوربية: أرسطو طاليس، أفلاطون، أميل دوركيم، أندريه جيد، أوغست كومت، باول فاليري، دافيد مارجوليوث رينيه ديكارت فرنسيس فولتير هيبوليت تين ، أرنست رينان. وأما في الفصل الثالث تطرق الباحث  لـ - الأسس المنهجية للنقد الأدبي وتأثيرها في منهج طه حسين النقدي- وللنظريات والمناهج التي أستفاد منها طه حسين في منهجه النقدي. وحول إعتبار المنهج كفن التنظيم الصحيح، وبدأ الباحث  الفصل الثالث بأنه - يمكن اعتبار المنهج فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة. إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون جاهلين أو البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين-. ومن أهم المناهج  والنظريات التي تطرق إليها الباحث في الفصل الثالث نذكر منها: المنهج النفسي والبلاغة عند القاهر الجرجاني، النظرية الإجتما تاريخية: أبن خلدون. النظرية العقلانية: ديكارت ، والفلسفة الوضعية لدى أوغست كومت، والمنهج التاريخي  لدى الشيخ محمد عبده.والمنهج السوسيولوجي أميل دوركيم والمعروف بمنهج دوركيم الإجتماعي.والمنهج الفني- المقياس الأدبي- وحول المقياس الأدبي أو المنهج الفني وذكر الباحث بأن المقياس الأدبي أو المنهج الفني الذي تحدث عنه طه حسين لم يكن جديداً، فقد سبق لميخائيل نعيمة أن وضع مقياساً للأدب عام 1923 . أي قبل طه حسين بأربعة أعوام وذلك في كتابه  الغربال.  والمقاييس الأدبية من حيث الجوهر لا تختلف كثيراً عند كليهما سوى عامل اللغة. فطه حسين يؤكد أكثر اللغة العربية الفصحى وأدوات الإعراب التي هي عنده وسائل للتعبير. في حين ينقد ميخائيل نعيمة مثل هذه القواعد، ويعتبرها قيوداً. فالأدب بمفهوم نعيمة يجب أن لا ينزل الى مستوى الرموز في التعبير. لأن غاية الأدب ليست في اللغة، إنما - غاية اللغة في الأدب-. فالأديب عند ميخائيل نعيمة أفكار وعواطف و- الفكر قبل اللغة، والعاطفة قبل الفكر-.وقدم لنا الباحث خلاصة  مفيدة للفصل الثالث للأسس المنهجية لنظرية طه حسين في النقد الأدبي بأن طه حسين ( أحتاج أن يُكوّن له منهجاً نقدياً يلائم تردده في المواقف في ثنائيته الفكرية فانتقى منهجاً توفيقياً يُمَكنه التأثير على العقل العربي. وقد نجح في تطبيقاته على الشعر الجاهلي، وحقق الشهرة، ثم رجع الى أحضان الأدب العربي من جديد، بعد أن تمكن أن يوجه كثيراً من الأدباء العرب الى أهمية الأدب العربي القديم في التراث العربي الإسلامي، والحاجة الى دراسته واخضاعه للنقد والتحليل والتمحيص). وفي الفصل الرابع والأخير أشار الباحث د. خالد  الى المنهج الانتقائي التوفيقي في النقد الأدبي عند طه حسين بأن طه حسين ( لم يستقر على نظرية واحدة من الفكر العربي أو الفكر الفرنسي، كما لم يستورد فكرة جاهزة ليكون عبداً لها رغم تأثره بأفكار مختلفة ومتناقضة أحياناً. أنه أخذ من التناقضات أفكاراً، ومن التيارات الفكرية آراء، ومن المناهج أساليب ليصوغ له منهجاً خاصاً به وفكراً ملائماً لشخصيته المترددة. إنه وفقَ بين الإتجاهات المختلفة، ومارس أسلوب العبث في إطار منهج وسطي انتقائي توفيقي بين المتغيرات والأفكار والآراء والتناقضات). ويستمر الباحث في بيان  المنهج  الأنتقائي التوفيقي لدى طه حسين بأن ( المهم هو أن إثارة طه حسين موضوع الشعر الجاهلي، وطرح منهجه بذلك الشكل العبثي لم يكن يهدف الى القضاء على الأدب الجاهلي. كما لم يكن ينوي هدم الأدب القديم، إنما كان الهدف أن يوصل ذلك الأدب الى عقول الناس لإحيائه بعد أن كان شبه منسي، وهو يعترف أنه سيواجه الخصومة لكنه كان يؤثر رضى العلم والضمير على رضى الناس.يبدو أنه لم يرغب أن يحتال على نفسه وعلى الآخرين، فطرح منهجه ونظريته بذلك الشكل متحدياً الصعوبات). وحول اسلوب العبث الذي أتبعه طه حسين  في إطار منهجه أشار الباحث بأنه ( كان موازياً للمواقف المترددة لأسباب عديدة منها كان متمرداً أزهرياً. ودراسته في جامعتي مونبليه والسوربون جعل هذا التردد في إطار منهج صاغه على الثقافتين العربية والفرنسية. ففي نقده للشعر الجاهلي والشعراء الجاهليين، أنكر في البداية أغلبية ذلك الشعر وأكثرية الشعراء، من منطلق الشك، كما شك قبله ابن سلام الجُمحي وابن خلدون وغيرهما. إضافة الى شك أبي عثمان الجاحظ والغزالي، ومزجه بشك ديكارت وعلمية تين ودوركيم وكومت وتَرَدُد ابن خلدون والشيخ محمد عبده.ويستمر الباحث في تبيان أسلوب العبث وتردد طه حسين بين المواقف المتباينة بان ( لم يكن طه حسين أول من كان يتردد بين المواقف المتباينة. فقد سبقه أدباء ومفكرون كان لهم تأثير مباشر عليه، وأنه أخذ بعض مواقفه المترددة منهم. وقد أشار طه حسين الى كتاب( الفصول والعايات). كيف أن أبا العلاء المعري كان يؤمن بوحدانية الله، وأشار الى كتابه ( اللزوميات) وتردُد أبي العلاء بين الإيمان والزندقة. وهكذا كان الحال عند طه حسين في كتابه ( في الشعر الجاهلي) فيما يتعلق بمسألة إبراهيم وإسماعيل. ويقول الباحث حول أدب المعري بأن( كل من يدرس أدب المعري يعرف أن كتابه ( رسالة الغفران) يكاد كله يكون سخرية، فهو يسخر من ابن القارح حين يرد عليه، ويسخر من الجنة والنار، ومن الذين يقفون بأبواب الجنة والنار. كما يسخر من الشعراء، معتبراً الشاعر المسلم عنده أقرب الى الجاهلية من الشاعر الجاهلي. ولهذا فالمعري وجد من السخرية وسيلة للتقرب من الآخرين............كان المعري من وجهة نظر طه حسين ناقداً، وكان يمزج النقد بالسخرية، وأن هذه السخرية في نقده ظريف، فالسخرية والتردد محبب عند طه حسين، مثلما كان عند المعري.) أما بالنسبة لتأثير تردد إبن خلدون على طه حسين ذكر الباحث د. خالد لنا ذلك التردد بأن ( تأثر طه حسين بتردد ابن خلدون، ولكن بدرجة أقل من تأثره بالمعري. واعتبر إبن خلدون عقلية عملية، فعندما يقرأ المرء كتاب ابن خلدون (المقدمة). يجد أنه في البداية. يجد أنه في بداية الكتاب يؤسس نظريته على المبادئ الفلسفية وخاصة الميتافيويقيا، ولكنه يتردد في نهاية الكتاب، طبقا لرأي طه حسين، ويطعن الفلسفة كلها على أساس أنه لا فائدة منها. ويعتبر الدين وسيلة للسعادة الإنسانية، وأنه يسدُّ حاجة البشر، أما الفلسفة فعبثٌ قد يجغل الإنسان ينحرف عن الطريق القويم).

أماعن مدى تأثير منهج الشيخ محمد عبده التوفيقية  على طه حسين فبيّن لنا الباحث ذلك التأثير بأن  محمد عبده ( كان أحد العقول الإسلامية التي أثرت في عقلية طه حسين.لكنه وقع في مواقف مترددة وتوفيقية بين أفكاره الإسلامية وأفكاره الأوربية أثناء بحثه عن الإسلام،مقابل بحث طه حسين في الأدب العربي والتراث الإسلامي. ويمكن فهم خاصية أو عامل التوفيق في منهج طه حسين الإنتقائي بمدى تأثره بمنهج محمد عبده التوفيقي).وفي ختام الفصل ركز الباحث على غاية وهدف طه حسين من خلال طرحه لخطابه الفكري ومنهجه النقدي بأن الهدف الأساس لطه حسين كان( تنبيه العقل العربي بأهمية دراسة الشعر القديم على أساس منهج البحث العلمي ومواجهة ( التعارض) الموجود في الأوساط الأكاديمية والعامة، في حين كان هدف محمد عبده هو ضرورة مواجهة الغرب، ومقاومته بأسلحة الغرب(المادية والفكرية). وحاول التوفيق بين الإتجاه العقلي بالإحتفاظ بالهوية الإسلامية من جهة والعقل الغربي الرافض لأساطير من جهة ثانية، وعملية التوفيق هذه كانت أسهل للشيخ محمد عبده من طه حسين، فالتوفيق منهج فلسفي إتّبعه الفلاسفة المسلمون وعلماء الكلام قديماً، وتابعهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. واجه  طه حسين صعوبات في عملية التوفيق، وقد شعر بهذه الصعوبات فأشار الى الخصومة بين العلم والدين قائلا: بأن الخصومة بين العلم والدين أساسية جوهرية لا سبيل إلى إتقائها ولا التخلص منها، هي أساسية جوهرية لأن العلم والدين لا يتصلان بملكة واحدة من مَلَكات الإنسان، وإنما يتصل أحدهما بالشعور ويتصل الآخر بالعقل، يتأثر أحدهما بالخيال ويستأثر بالعواطف، ولا يتأثر الآخر بالخيال إلاّ بمقدار، لا يعني بالعاطفة إلاّ من حيث هي موضوع لدرسه وتحليله. وحول التناقض الذي عاناه طه حسين بالنسبة لمشكلة الشعر الجاهلي رجحّ الباحث سببه بأن ( هذا التردد عند طه حسين هو التناقض الذي عاناه فيما يتعلق بمشكلة الشعر الجاهلي. حيث أنكر أغلب ذلك الشعر من جهة، وشك بالتوراة والقرآن فيما يتعلق بوجود إبراهيم وإسماعيل من جهة ثانية. وإيمانه الكلي الذي لا ينتابه الشك بصحة القرآن،وإعتباره مرجعية تاريخية للحياة الجاهلية من جهة ثالثة لكن في الوقت نفسه، فإن طه حسين جعل هذا التردد وهذه التناقضات معقدة، وذلك بسبب إنكاره في البداية لهذه المرجعية التاريخية). وحول الأسلوب الخاص الذي إستخدمه طه حسين في مؤلفه ( في الشعر الجاهلي) وحسب رأي الباحث بأن طه حسين، ( استخدم أسلوباً خاصاً في الكتابة في مؤلفه في الشعر الجاهلي. حيث حاول أستدراج القارئ الى قبول ما يطرحه من شكوك. أسلوبه ممتع إلى درجة كبيرة ، ولغته متطورة، وأعتبرها جزءاً من منهجه النقدي. حاول أن يجعل القارئ يَغص الطرف عن ( أحكام الربط بين أوائل علاراته وأواخرها وبين مقدماته ونتائجها، وحول رأئ الباحث  بالنسبة لكتاب طه حسين في الشعر الجاهلي بأنه ( أصبح كتاب العصر، وحقق لمؤلفه شهرة كبيرة ، وأصبح من أعظم كتبه تأثيراً في الحياة العقلية العربية، ولكن في كل الأحوال لم يفلح طه حسين أن يقدم بديلاً لمنهجه في الشك في وجود الشعر الجاهلي. كما لم يقدم فهماً واضحاً للشعر الجاهلي، بل جعل الموضوع في حالة شك في الشعر، وشك في الحياة العربية في العصر الجاهلي).

 

 

 

 

 

 

 

 وفي الفصل الأخير  من كتابه نقل لنا الباحث                                               

 

                                                   رأي المفكر الفرنسي Roger Araoldez

 

 حول منهج طه حسين من خلال تعرفه عليه في فرنسا عن كثب بالشكل التالي :                      

( أراه مرة أخرى وقد علت وجهه إبتسامة ساخرة غالباً ما تتحول الى ضحكة عالية، عندما يعرض فكره بأسلوبه الساخر. رجعت بذاكرتي إلى هاتين الصورتين اللتين أحتفظت بهما في داخلي واللتين أعتز بهما بعد سنوات عديدة. إنهما تحملان كما يبدو لي أن التوازن الإنساني الذي حققه طه حسين كان نتيجة مَد وجزر بين طرفي نقيض، الحساسية المفرطة لما يحبه ويتعلق به، والنقد اللاذع لما لا يحبه وينفر منه ... لقد تربى طه حسين وفقاً للتقليد الإسلامي الذي أحبه بل تذوق فيه القِيَم التي يعرفها جيداً التي أستخلص فحواها. ولكنه في نفس الوقت لم يبتعد عن الثقافات الأخرى، فهو يعرف البُعد الكافي الذي يتطلبه الحكم على الماضي الذي يتمسك به... وإذا كان طه حسين يعترف بأهمية الثقافة الغربية، ويجب أن ترتوي بها نفساً وذهناً، فهو على العكس لم يستسلم لإغراءاتها، بل لم يتخل عن أصله، ولم يتردد في نقد هذه الثقافة الذي كان أحياناً شديداً للغاية). هذا وإعتمد الباحث في دراسته القيّمة الخطاب الفكري والمنهج النقدي في أدب طه حسين، على العديد من المصادر والمراجع العربية والأجنبية، وأستفاد من الكتب الأجنبية المترجمة الى اللغة العربية، ومن الدوريات العربية المتعلقة بالمنهج النقدي الذي أتبعه عميد الأدب العربي طه حسين.بالإضافة الى الكلمات والرسائل والمقابلات المنشورة  المتعلقة بالخطاب الفكري والمنهج النقدي في أدب طه حسين.و شكرالباحث د. خالد يونس وأثنى في مستهل دراسته  على الأساتذة الذين ساعدوه، وفي مقدمتهم أستاذه الراحل الدكتور جلال صبري الخياط المتخصص في النقد الأدبي لتفضله بتدقيق ومراجعة دراسته-  إنني مدين له بتوجيهاته العلمية وصبره الطويل، وجهوده القيّمة، وتصويباته المفيدة والتأكد من الجوانب الموضوعية والفكرية والأدبية والمنهجية العلمية. كما أشعر بالإعتزاز لتسامحه وتعامله الذي غرس في قلبي الإحترام والتقدير-. وعبر عن شكره الخاص للأستاذ الدكتور إبراهيم العاتي المختص في الفلسفة والأستاذ الدكتور جعفر التميمي المختص في النقد الأدبي. والأستاذ الدكتورعبد الكريم الزبيدي المختص في اللغة العربية وعلوم القرآن لقراءته هذه الدراسة ولنقدها وتصويبها.ولم ينس أيضاً شكره لأستاذه الراحل الدكتور تريكلفه كرونهولم المتخصص في علوم الثيولوجيا واللغات السامية وآدابها والأستاذة الدكتورة إيفا رياض بمركز العلوم اللغوية – مؤسسة اللغات الآفرو آسيوية بجامعة أوبسالا السويدية، لإنتقاداتهما وتوجيهاتهما المفيدة لكتابة الأساس الأول لهذه الدراسة. وشكره للأستاذ الدكتور ستيفان هلكيسون المختص في الدراسات الأدبية العامة بمؤسسة الآداب بجامعة أوبسالا لمراجعته للدراسة ولتوجيهاته الخاصة بالجوانب النقدية والأدبية والمنهجية وتثبيتها شفوياً كتابياً، ولمراجعته المفيدة والموجهة في الإطار الأدبي النقدي، وللأستاذ الدكتور يوسف أسحق المتخصص في اللغة والأداب العربية. في ختام عرضنا الموجز لكتاب الباحث الدكتور خالد يونس خالد- الخطاب الفكري والمنهج النقدي في أدب طه حسين-  نحن بدورنا نثني على جهده الأكاديمي الكبير، في كتابة هذه الدراسة الفكرية المنهجية القيّمة. التي أستطاع من خلالها التحقيق في منهج البحث لطه حسين، والذي طبقه في بعض دراساته الأدبية في مجال التحقق من صحة الشعر الجاهلي والأدب العربي القديم. وبيان خلاصة ما أستهدفه الباحث في دراسته، لمعرفة منهج البحث لدى طه حسين في دراسة الأدب العربي القديم والأسس الفكرية والمنهجية لنظريته النقدية وأستعراضه للإشكاليات التي دارت حول كيفية تطبيقها في دراساته عن صحة الشعر والأدب الجاهليين. وهنا أستعير بعد قراءتي لهذه الدراسة جملة رشيقة من الأستاذ الأديب حسن سرات عند عرضه لكتاب د. طه عبد الرحمن. الحق الإسلامي في الإختلاف الفلسفي-يصعب على المرء أن يلخص كتاباً يفيض بالأفكار، ويتدفق عقل صاحبه بالقدرة الفائقة على الإستدلال والإستنباط وتوليد المفاهيم والدلالات). وأقول بأن كتاب د. خالد يونس (لا تلخصه سوى القراءة اليقظة له).وننتظر منه دراسات أدبية نقدية أخرى، تتحف العقول بالنظريات النقدية المنهجية لفهم الآثار الأدبية في ضوء منهج البحث والأستقصاء.

 

حكيم نديم الداوودي   

 

الهوامش                                                                                      

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ               

  1 – الخطاب الفكري والمنهج النقدي في أدب طه حسين د. خالد يونس خالد      2005.السويد .                         

 

2 -    الحق الإسلامي في الإختلاف الفلسفي. د. طه عبد الرحمن قراءة . الأستاذ حسن السرات 14 2 2005 م          


 

           

 

02/09/2015