شتان بين وفاء الشيخ ناظم العاصي ونكران جميل وصفي العاصي

 

محسن جوامير
 كاتب كوردستاني
mohsinjwamir@hotmail.com

جوابا على مقالة في جريدة الحياة

 نشرت جريدة الحياة الصادرة بتأريخ 06/05/2006 مقالة للسيد محمد التميمي بعنوان " العرب والتركمان يطالبون بتفسير لمعنى " تطبيع الأوضاع " في كركوك " وفيها ينقل التميمي ما ذكره وطالب به بعض الأشخاص العرب والتركمان بشأن الغرض من عبارة  " تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك "  التي ينص عليها الدستور العراقي الدائم، والتي تشكل أبرز مطالب الكورد. 

ويذكر التميمي قول رئيس مجلس العشائر العربية الشيخ وصفي العاصي : " إن بعض الكتل السياسية تسعى إلى مناقشة الدستور العراقي وبنوده بهدف تعديلها ثم تمريرها باي وسيلة، في إشارة إلى المادة القائلة بتطبيع الأوضاع في المدينة " أي إعادة الكورد المرحلين في عهد صدام حسين إليها، وكذلك تابع العاصي : " نحن بحاجة إلى تفسير شامل لمشروع تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك، فلا نفهم مالمقصود بذلك " !

 مسكين الشيخ العاصي، لا يفهم لا هو ولا جماعته ولا حوارييه ما المقصود بعبارة " تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك " التي أشرقت كالشمس في المادة 140 من الدستور الدائم لأصحاب النظر مثلما تلألأت في المادة 58 من الدستور المؤقت كالقمر !.. لله درك يا شيخ وأنت عاصرت جل المراحل التي تم فيها ترحيل الكورد زرافات ووحدانا سواء إلى القبور أو المعتقلات أو المنافي، رجالا أو نسوانا.. ولا أدري فيما لو كنتَ في ذلك العصر أيضا مع النافخين في صُوْر التهديد والوعيد، وانت عالم بكل الكتب والوثائق الرسمية الصادرة عن مجلس قيادة الطاغية القابع في السجن والقاضية بطرد الكورد والآخرين من كركوك وبتنفيذ علي الكيمياوي المجيد، وجلب العرب وإسكانهم في بيوت الذين شردوا وإغداق الإمتيازات والبركات عليهم من مساكن ومزارع وممتلكات الكورد إبتداء من السبعينيات ـ خاصة بعد إتفاقية الجزائر ـ ومرورا بتقنين الطرد والترحيل بالقرار المرقم 1391 في تشرين الأول من عام 1981 والذي نشر في الوقائع العراقية وتشكلت بموجبه لجان للإشراف على تنفيذ مشروع ما سمي بنقل العاطلين عن العمل في كركوك ومناطق الحكم الذاتي إلى المناطق الجنوبية والغربية من العراق، والذي نفذ ببرنامج غاية في الدقة إلى آخر أيام حكم البعث حين ( التفت الساق بالساق )..

بغض النظر عن الوثائق التاريخية والجغرافية والمذكرات والرحلات، وكذلك بغض النظر عن نتائج الإنتخابات الأخيرة التي جرت والتي كانت صفعة لكل عميل وضربة معلم لكل معتبر، فان كل التساؤلات ومحاولات إلقاء الشكوك لا تخرج عن كونها تمريرا للمؤامرة التي يشترك فيها أعداء الكورد والذين يريدون فعلا حل المسألة بالشكل الذي يحقق مصلحة الجميع.. وكل الجماعات والأطياف التي خسرت أمام الكورد عددا، تحاول الآن عبثا البحث عن الوسائل والبدائل التي تعرقل التطبيع وبالتالي تصبح حجر عثرة أمام إعادة الحق إلى نصابه على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، بحيث يعود الجميع الى الأرض التي عاش عليها أجداد أجدادهم، وعندئذ يظهر  معنى التطبيع الذي يسأل عنه الشيخ وصفي العاصي عن مدلوله.. ولن تصبح كركوك بعدئذ خطاً احمر كما يطالب به زميله السيد جمال شان رئيس الحزب الوطني التركماني، بل ستبقى بكردستانيتها خطاً أخضر لكل من جاءها بعفوية ولكن لا بقصد مسح الهوية، وعندئذ حتى حجم التركمان يصبح أكبر مما هو عليه الآن والذي يكاد يصبح أقلية الأقليات إذا ما بقي المستوطنون فيها إلى يوم ( وقال الإنسان ما لها ) .

 كم كنت أتمنى ان يكون السيد وصفي العاصي على سيرة الشيخ الشهيد ناظم العاصي الذي لم يكن من الرافضين لمحاربة الكورد أيام مجيئ البعثيين للحكم في 1963 وفيما بعد فحسب، إنما كان من المعارضين لحرب الكورد ومن الداعين للسلام بالحوار والمفاوضات، ورافق الرئيس العراقي الأسبق عبدالرحمن عارف في زيارته للزعيم الراحل مصطفى البارزاني عام 1966.. كان الرجل محبا للكورد وممتنا لهم ومقدرا العلاقات الطيبة التي كانت تربط رؤساء عشائر العبيد العربية قبل مجيئهم لسهل الحويجة، حينما زار وفد منهم مدينة السليمانية عام 1922 برئاسة الأخوين الشيخ حسين والشيخ علي العاصى لتقديم التهاني إلى الملك الشيخ محمود الحفيد بمناسبة عودته من المنفى وتشكيله الحكومة الكوردية، في الوقت الذي وصل المدينة وفد من جميع العشائر الكوردية في أنحاء كركوك، كما جاء في كتاب الدكتور نوري الطالباني ( منطقة كركوك ومحاولات تغيير واقعها القومي ـ ص55 )..وكما أضاف الطالباني إلى ما سبق كذلك " وقد اكد هذه الحقيقة أيضا الشيخ مزهر العاصي للأديب الكوردي عبدالله سراج، عندما كان يعمل في سلك التعليم في مدرسة الحويجة في بداية الستينات، فقد أخبره انهم استشاروا الشيخ محمود وحصلوا على موافقته قبل إستقرارهم في سهل الحويجة، بعد إكمال مشروع الري فيه في أواسط الأربعينات، لأنهم يعتبرون المنطقة جزءا من كوردستان. ثم يضيف السراج انه وجد في أرشيف مدرسة الحويجة الإبتدائية للبنين التي كان يتولى إدارتها بنفسه، تعاميم رسمية صادرة عن ( مفتشية عموم كوردستان ) تحمل توقيع المرحوم رفيق حلمي، مفتش كوردستان في حينه ( يشير المؤلف إلى المصدر في نفس الصفحة ).

 إنَّ مَثل من يُشبِّه توطين صدام حسين وحزبه للعرب وزجهم في كركوك من خلال طرد الكورد وتهجيرهم طبقا لبرنامج شوفيني عنصري مقصود مهين، بالعرب الآخرين الموجودين، كمثل من يساوي بين الزواج والزنا او بين البيع والربا، لا يستويان إلى يوم ( يتذكر الإنسان ما سعى ).

إذا تصور السيد وصفي العاصي انه سوف يربح بهذه المناورات ويغلب على الكورد، فهو مخطئ.. وإذا ظن أنه بعداءه للكورد سوف يحصل على مباركة الآخرين، فلا يكون حاله وحال جماعته أحسن من حال كتائب ( فرسان الخالد بن الوليد ) الذين كانوا ينادون ( إحنا البدو وين العدو ) او حتى مرتزقة الكورد ( فرسان صلاح الدين ).. كلهم لعنهم التأريخ إلا من عادوا.. والإتكاء على من يتكئون على تركيا أو دول أو جماعات او فصائل أخرى، لن يكون مآله أفضل من مآل الذين إتكأوا على أكبر جبار في الأرض، كما حدث للذين ظنوا أن حصون صدام حسين مانعة للكورد المطرودين من كركوك من العودة إلى أراضيهم ومساكنهم التي سكن فيها الذين ظلموا، إلى يوم الصاخة !

 

 

 

 

 

 

 

 
           

 

02/09/2015