دستور كردستان بين طموحات المجتمع ومساومات السلطة الحاكمة

سامان عبدالکريم .

sammanrand@hotmail.com


بعد زمن طويل لحكم لا يستند على مفاهيم قانونية واضحة قرروا رجال السلطة في كردستان الدستور ان یبداءوا بکتابة الدستور وذلك تماشيا مع اتفاقاتهم في بغداد مع شركآءهم في النظام الجديد هناك.                                        .
ان كردستان بأشد الحاجة الى هذه الوثيقة المهمة لكي يتحول من محميات اقطاعية وتسلطية كما هو الان الى اقليم تحكمه قوانين تحدد مجمل شكل نظام الحكم كذلك شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم,والتخلص من مزاجية القرارات حيث ان كل قرار او قانون الان مرهون بمزاج القادة ومصالحهم.                       
ان كردستان مقبلةعلى دستور يجب أن يتلائم حسب رأي السلطة الحاكمة مع الدستور العراقي الذي كتب في الآونة الأخيرة.            
لقد كتبوا الدستور العراقي تحت طائلة مجموعة توافقات فكرية و عقائدية حيث اصبح وثيقة تحمل كل تناقظات الماضي بين سطوره من صراعات الأديان وجراحها الى المنافسة في أبراز العرق والجنس والخلفيات المذهبية وكأنها وثيقة الأنتقام من الماضي فقط وما المجتمع حسب هذه الوثيقة الا تلك التقسيمات المقززة.              
من اهم ما اراه غريبا عجيبا في هذا الدستور هو وجود مجموعة تضادات لا تستطيع ان تعيش معا فعلى سبيل المثال التوافق الغير جدلي بين الديمقراطية والشريعة الأسلامية حيث يطلب الدستور احترام الأثنين معا وتطبيقه وهذا محال في رأيي على الأقل ,ومن اهم ما سينتقده التاريخ بشدة هو قانون الأحوال الشخصية وتدخل الدين فيه كذلك الموقف الرجعي من المرأة وايضا الجمل التي تقدس التيارات الدينية والتي لا تزال تبطش بالناس فتكا وتمارس اشد انواع الأرهاب عليهم .من مفارقات القدر ان الساسة الکرد وحسب ما يدعون هم من وقفوا يدافعون عن المبادئ الشبه مدنية في كتابة الدستور ولولاهم لأصبح العراق دولة الشريعة الحقة. ان كتابة الدستور و بهذا المحتوى جعل من الصعب بناء مجتمع حي ينمو ويتطور حسب متطلبات التطور الأجتماعي وسوف يكون الحداثة والرقي صعب التحقيق من خلال تلك العقبات الكثيرة من القدسيات التي يمنع أنتقادها قانونيا وبتبرير انه يجب احترام دين الأكثرية,ويعتبر انتقاد المقدس جريمة يعاقب عليها القانون.لقد قيدوا المجتمع أكثر مما كان مقيدا ولا توجد أي فسحة لتاريخ تطور القوانين والدساتير الوضعية                      .
لنرجع الى موضوع دستور كردستان والذي سيكون الأساس الذي يبنى عليه كردستان قانونيا,فأذا كان هذا الأساس ليس بمقدوره أن يحمي حقوق الفرد المدنية سيولد ميتا قبل أن يولد, على هذا ان يساهم في بناء عقد أجتماعي جديد خالي من الأرث الثقيل من الأعراف والتقاليد الموروثة والمتعفنة والتي تراوح في مكانها منذ زمن طويل وأن تخلص المجتمع من أفكار القبيلة بكل أخلاقياتها السخيفة,ان المجتمع في كردستان يريد دستورا يحمل اسباب ديمومته وتطوره الطبيعي ويوازي تضحياته الكثيرة في سبيل أحقاق الحد الادنى من العدل الاجتماعي.                                     

اننی اکتب هذه‌ السطور وفیها احاول ان ادعم کل حرکات المجتمع المدنیه‌ ولاتی تضغط باتجاه ان نحصل علی الدستور یحتوی علی اسس النمو والبناء لمستقبلنا. اننی متخوف جدا لاننی اعرف من هو منشغل بکتابته‌ وهم رجالات الدوله‌ ووعاظها قبل ان یکونوا قانونیین و مقربین الی حاجات الناس. و اکثرهم یفکر کما یفکر الحاکم فی کردستان. هناک مسائل یجب ان تناقش قبل ظهور الوثیقه‌ وبعدها ومنها اذا کانت القیاده‌ الکردیه‌ فعلا من وقفت فی وجه‌ التیار الاصولی المتطرف وهل یریدون فعلا ان یساهموا فی بناء المجتمع المدنی منفتح علی الثقافات الاخری وتکون البدایه‌ لبناء عقد اجتماعی یرتکز علی المبادئ الانسانیه‌ التی تقدس حرکه‌ الانسان فقط وتطوره‌.  وهل هم من التحدی للتخلص من سلاسل الماضی المقیط وتخلیصنا ایضا فاذا کانوا کذلک لیجعلوا مایقولونه حقیقة یراه المجتمع واقعا ملموسا.                                                                                 

 ان الدستور هو نص عمومی لمجموعة مبادئ تنضم عمل الدوله‌ والمجتمع وتبیان واضح لکافة الحقوق والواجبات لکل من کل الحاکم والمحکوم معا ولیس المحکومین فقط کما یحصل الان، فالفرد علیه‌ ان یتحمل کل الاعباء وان ینفذ کل الواجبات دون ان یکون له‌ ای حق علی الحاکم قهذا مانرید ان نتخلص منه‌.                                                                                                   

ان المجتمع العالمی لم یتوصل الی تلک القوانین بالصدفة او بهدیه‌ من السماء بل بالنضال الطویل للشغیله‌ وبالاراده‌ القویه‌ والجریئه‌ فی انتقاد الماضی بکل افکاره‌ و قوانینه‌ واستطاعوا علی ذلک الاساس بناء نهج معرفی للحیاة، فالثورات قامت ومنها بالاخص الثوره‌ الفرنسیه‌ بارساء القوانین لمجتمع مدنی قابل للرقی الاجتماعی ویکون فیه‌ النقد من اهم الدعائم فی هذا البناء، وفی منتصف القرن الثامن العشر تخلصت تقریبا الکثیر من الشعوب من الثقافات والاعراف البلهاء التی کانت السبب فی اضطهادهم ومآسیهم( لاننسی هنا العنصر الاقتصادی الذی انعکس تطوره‌ فی الواقع القانونی).                                                                                                       

اما فی کردستان ولسوء حضنا ان الذین یقودون حرکه‌ المجتمع سیاسیا و قانونیا هم اکثر الناس کلاماا عن الدیمقراطیه‌ و حقوق الفرد المدنیه‌ ویتکلمون ایضا عن الانفتاح الحضاری والعلمانیه ولکن فی الواقع هم اکثر الناس خوفا من هذه‌ المفاهیم بل هم مذعورین ولانهم ئعرفون ان تثبیت هذه‌ الاطروحات سینهی التسلط الابدی المقدس!!                                                                

هناک من القاده‌ من یتکلم عن حقوق المرآه‌ تارة وکانه‌ ناشط فعال فی مجال المرآه‌ ولکن نفسه‌ من یدعم مفاهیم الشرێعه‌ فی المجتمع ، تراه‌ مرات مدنیا و اخری غارقا فی الرجعیه‌، عضوا فی الاشتراکیه‌ الدولیه‌ ومتبنیا الدیمقراطیه، لکن فی المقابل صدیقا حمیما لایران الشریعه‌ الاسلامیه‌ التی تضطهد کل نواه‌ الانسانیه‌. هل یستطیع هولاء القاده‌ ان یکتبوا دستورا ذو افق عال ویوازی تضحیات شعب کردستان فی التصدی للظلم السیاسی والاجتماعی التاریخی و من اهم صفحات هذا الظلم هو نظام صدام الدکتاتوری‌‌.                                                                            

ان شعب كردستان يمر بمرحلة في غاية الأهمية في تاريخه, انها مرحلة الأنتقال من حكم الولاءات والتبعية القبلية الى اسلوب حكم يجب أن يكون خدميا في واقعه, مدنيا في معالجته لمشاكل المجتمع وحاجاتها وهذا لا يأتي من دستور توافقي في اطروحاته متشبث بالماضي البعيد ولا يعير لمصالح المجتمع فقط, نريد دستورا يضع حدا لأحادية القرار المميتة, بل اسلوب حكم يكون للفرد والمجتمع الحق في أن يختار ما يراه الأفضل لحياته والحق في تقرير مصيره كمجتمع, والتخلص من مقولة أن الزعيم هو الأدرى والأذكى في تسيير نمط حياتنا وهناك الكثير من الأمثلة على خطأ هذه الممارسة وعلى سبيل الذكر فقط الحروب الطاحنة بين الأحزاب في كردستان فلم يكن لمصالح الشعب فيه لا ناقة ولا جمل.               
بعد كتابة الدستور سيكون هناك أستفتاء عام لقبوله أو رفضه وسيكون من السهل تمريره وخاصة ان السلطة في كردستان قد بنوا لانفسهم جيشا من الأبواق المأجورة حيث يقومون بالدفاع عن أهداف السلطة مهما كانت هذه الأهداف,حيث تعود قسما منهم من خلال تجاربه السابقة بالأضافة الى الأعلام الموجه ومن خلال قنوات فضائية كثيرة إضافة الى حرمان المخالفين من الوظيفة وتضييق الخناق عليهم وأخيرا نعتهم بالمعادين للحقوق القومية وما الى ذلك
لذا علينا نحن المخالفين أن نقوم بحملة توعية واسعة كل من مكانه لتعريف البسطاء من الناس بحقوقهم التي يجب الا تسرق بأسم القومية والمكتسبات القومية وان الأعداء يتربصونا في كل مكان, علما ان السلطة في كردستان تربطهم صداقات قوية بأعداء الأمة               
أن الدستور في أغلب الأحيان جرد من الأنتمائات الطائفیه‌ والقومیه‌ أي بمعنى آخر يجب الا يكون ملكا لدين أو قومية أو جنس ما وأن لا يشير بأي شكل من الأشكال الى ابراز فئة ما على الأخرى تحت مسميات الأكثرية الدينية والأقلية وهذا أيضا بالنسبة الى العرق والجنس والقومية, يجب أن ينظر الى الكل كمجموعة متساوية في الحقوق والواجبات وسوف يكون ألمس بهذه المبادئ هو ضربا من العنصرية المكروهة ,ولا نريد لشعبنا أن يبنى على هذا الأساس. وان من استراتيجية الدستور أن يكون الأندماج الأجتماعي بأعلى الدرجات وأن يحس الفرد بقناعة بأنه جزء من هذا العقد الدستوري،.
بما أن القادة الکرد كانوا يطمحون بأن يكون الدستور العراقي أكثر مدنية وذلك حسب أدعائهم وقولهم, يجب عليهم إذن كتابة الأمور التي لم يستطيعوا إدخالها هناك أي في بغداد ليثبتوا انهم يحملون فعلا نواة التمدن وهذا ما لا أراه قط ,وأن لا يتلاعبوا معنا بالكلمات كالمرات السابقة والكثيرة.  
من أهم العموميات التي يجب أن تراعى في كتابة الدستور ما يلي:          

           

 1 ـ تثبيت قانون حق الأمم في تقرير مصيرها وذلك كحل جذري للمشكلة القومية                          وليتخلص الجميع من أتفاقيات خلف الكواليس.                             
2ـ الأعتماد كليا على القوانين الوضعية في تثبيت قانون الأحوال الشخصية وعدم الأيجاز لأي فكر لاهوتي أن يندس كالشبح بين ثنايا هذه  القوانين.                                                                                      .
3- عدم سن قوانين تقسم المجتمع على أساس أعطاء المرأة نسبة ما من الحقوق المدنية والأجتماعية كنسبة 25%, فمن الأنحطاط الحضاري أن لا يكون الرجال والنساء متساوون في الحقوق والواجبات وسيشرعن التمييز العنصري إذا سن مثل هذا القانون.                                                      

 4-إيضاح كل من الحقوق والواجبات بحيث لا تكون هناك غير واضحة ويستطيع الحاكم بألشكل الذي يحفظ له مصالحه                      دائما                                                             
5 ـكتابة قانون يلغي ترسبات المجتمع الأبوي القاسي والذي هيئ لحقبات طويلة من العنف المنظم في الأسرة والمجتمع                   
6ـ سن قوانين تحارب التطرف والأرهاب بكل أشكاله من الجسدي والنفسي الى الأرهاب الفكري وتحريم نظام الفتاوى المشؤوم                      .
7ـ من البديهي أن يكون هناك فصل للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية حيث يراقب كل منهم الآخر,وان يكون القانون هو الفيصل بين الحاكم والمحكوم وفي أمور المجتمع أيضا                 
8ـ إن ما حصل في كردستان في الأونة الأخيرة من مظاهرات وإحتجاجات في كلار و دربنديخان واربيل والسليمانية وغيرها من المدن والقصبات ما هي الا صيحات غضب شعبية ومطالبة حقيقية لتغيير نحو مجتمع مدنى يلبي مطامح الأنسان,هي أيضا رسالة تحذير قوية للسلطة لمراجعة أنفسهم,لذلك على الدستور ان يتبنى نظام المواطنة وإعطاء احد الأدنى من العدالة في توزيع الثروة                      .
9ـ عدم سن قوانين تتيح ممارسة اليكتاتورية في السلطة تحت مسميات أخرى وبأسم الديمقراطية,كما يؤسس المجتمع الآن تحت مرأى الجميع                            

غرونینگن ، دبس                              

 

 

 
           

 

02/09/2015

 

goran@dengekan.com

 

dangakan@yahoo.ca