الكورد شعب
حرم من كل حق، بعد أن حصل الكل في المنطقة على كل ما يعينه على
بناء حياته ومستقبله بحق.. هو الذي بقي بين كل شعوب المنطقة
مُستهْدَفاً يعاني من منغصات وقلق، تتقاذفه القوى السائدة على
أرضه ومصيره ظلما وإبادة وحرقا وتدميرا من دون وجه حق.. وأصبحت
المواثيق التي وقعها الأسياد وفقا لمصالحهم وأطماعهم، أغلالا
في عنقه دون غيره من الخلق.. وتحولت ارضه التي اُحتلت غدرا إلى
بيت طاعة لا يقبل الشفاعة.. وصار ما يقدِّر ويقرِّر له الآخرون
سياجا شائكا مفخخا لا ينبغي أن يُتجاوزْ، مهما ارتفعت درجة
الإستبداد والسقوط في هاوية التخلف والإنحطاط والعَوَزْ .
كان الأولى
بمشرقنا اليوم وهو صاحب الرسالات وموطن العظماء، أن يكون قدوة
للشعوب وليس عالة، وأن يكون نموذجا للتعايش والإنسجام وصون
الحقوق لا الإتصاف بالضآلة، ولا منبتا للتصورات العنصرية
الفاشية التي تحرم على الإنسان ما وُلد معه والذي يميزه عن
الآخرين من لغة وإمكانيات وتطلعات قد تضفي على حياة الجميع
ألوانا زاهية مختلفة ذات أصالة.. إضافة إلى الخطوط والدوافع
المشتركة التي تجمعهم كبشر، سواء عاشوا في الأرض أو إستقروا
على القمر.
وإنقلبت
الآيات، وأصبحت الدول التي كانت تحسدنا على شمسنا، أكثر ضياء..
وصارت الشعوب التي كانت تفتقد قيمنا، مثالا نرنوا إليه.. فلو
أن عائلة شرقية هربت اليوم بجلدها من ظلم الطغيان والتمييز
الشوفيني إلى السويد مثلا، وطلبت لابنائها حصة لغة الأم، فان
المدرسة تضع ليلها على نهارها لترتيب الأمر حتى لو إستدعى
الأمر إحضار استاذ بالطائرة من مدينة القاهرة، كل ذلك بسبب
تكريمهم للإنسان ولمطالبه المشروعة، حتى لو كانت نادرة.. في
حين أن المادة 15 من القانون الأساسي والتي تعطي الحق لأبناء
اللغات الأخرى في دراسة لغتهم كمادة بجانب الفارسية في إيران،
كادت ـ وبعد أكثر من عقدين ـ تصبح هشيما تذروه الرياح. وحدِّث
عن تركيا ولا حرج، فان قصتها لن تنتهي في حدود الأمر بسحق
الآخرين والنهي عن كل خصيصة وطنية مهما دق أو ضؤل، وحكاية (
أتراك الجبل ) عن الكورد شاهدة على مسلسل العذابات التي يصعب
ورودها حتى على قلب بطل.!.. أما في سوريا، فلا يُظن أن كتابا
كورديا واحدا قد طبع فيها بعد مغادرة الإحتلال وإستقلالها، ولو
على عجل.!
في عام
1991 وبعد إلإنتفاضة زرت إيران، وتجولت في بعض مؤسساتها ،
منها مؤسسة إنتشارات صلاح الدين الايوبي الكوردية المعنية
باللغة والثقافة والتراث الكوردي في مدينة أرومية، وإذا بي أجد
أن رئيسها فارسي لا يعلم من الكوردية إلا عبارات الود
والتحية، وكأنَّه ليس بين الكورد من يمكنه إدارة دائرة بتؤدة
وروِّية.. والغريب هو الإحترام المفرط المفروض من طرف الموظفين
والذي كان يبدو أنه تجاوز حتى حدود اللياقة العقلية والبدنية،
لاسيما عند دخول صاحبنا المسؤول وخروجه من الغرفة، بل حتى لدى
عودة سيادته من قضاء الحاجة في المستراح ( التواليت ) بعد ان
ذهبت عنه الأذية .. ولحد الآن لم افهم مغزى هذه الفلسفة
التذليلية بين الأنام والبريَّة.
التلميذ
الأجنبي ـ مثلا ـ في السويد يزعل إذا لم يجد علمه الوطني معلقا
على جدران المدرسة أو الممرات، وقد يشتكي من المعلمة وبسخرية
مرات ومرات، وتستجيب الإدارة لهذا المطلب أو الدلال لانها تجد
ان هذه الرغبة تقع في إطار حقوق الطفل حتى لو كبرت
النفقات..هذه الأمور التي لا يتحملها الفكر الشرقي، تذكرني
بازمة العلم بين الكورد وغيرهم، وبدخول السيد وزير الخارجية
التركي عبدالله كول على الخط وتصريحه خارج السرب : إن على
الذين اتخذوا استبدال العلم العراقي بعلم كوردي، أن يدركوا مدى
خطورة هذا الإجراء.. وشدد على حساسية الأمر قائلا : إذا سمحت
الحكومة العراقية بذلك، يعني أن كل شئ قد إنتهى، أي إن التقسيم
قد " وقع ".
كم كنت
أتمنى لو كان وزير خارجية تركيا مقيما لبعض الوقت في إحدى
الدول الاوربية واشتغل كمعلم في إحدى مدارسها لأجل مسمى.
يروي
الكثير ـ منهم انا وزوجتي ـ ممن إلتقوا بعض اطفال الكورد في
تركيا، بأن اعدادا منهم بدلا من مواصلة الدراسة بعد الإبتدائية
فانهم يغادرونها ويشتغلون على الأكثر في صباغة الأحذية
وتلميعها، ولو سألتَ احدهم عن سبب تركه المدرسة، لأجابك بالحرف
الواحد : لأنه لا يحب التركية !.. وقد تذكرت تصريحات أولئك
الأطفال حال إطلاعي على تصريحات رئيس الوزراء اردوغان
المنشورة في صحيفة ميلليت، حين أخذتهُ الصيحة هذه الأيام :
جميع الحقوق التي أتمتع بها كمواطن تركي، يتمتع بها كل مواطن
تركي من الاصول الكوردية، ولهم الحق في الدخول في البرلمان
وتولي أعلى المناصب البيروقراطية في مؤسسات الدولة وحتى
بإمكانهم تولي منصب رئيس الجمهورية فماذا يريدون اكثر من
ذلك.؟.
كم كنت
أتمنى لو أن السيد أردوغان اطلع وعن كثب على اولاد الكورد في
الشوارع والأزقات وهم يصبغون ألأحذية ويتركون الكتب، وقد
يتفكرون في أن يحالفهم الحظ مرة ليصبغوا أحذية سيادته، لا
ليكونوا وزراء أو رئيس جمهورية كما يتوقع هو على الأغلب.!
من يلاحظ
تاريخ علاقات الكورد مع الشعوب التي يعيشون معهم، يجد اسلوبا
في الخداع والمراوغة مارسه الحكام من المستقدمين والمستأخرين
وكذلك الأنظمة طوال التأريخ معهم، ومازال يمارَسُ باشكال شتى،
كل ذلك من أجل تحقيق اهدافهم الآنية قبل الإنقلاب عليهم
وإذلالهم في هذه الدنيا الدنية، وذلك من خلال إشاعة و ترويج
بعض العبارات الماثورة مثل ( إخواننا الاكراد ـ كورد قارداشلار
) و ( احفاد صلاح الدين الأيوبي ) و ( أبناء شمالنا الحبيب )..
وكان مصطفى كمال في حروبه رائدا في ممارسة هذه السياسة
الباهتة، وبعد تحقيق اهدافه كان يصِّفيهم ويشويهم في المحارق
شَيَّا، وهذا الأسلوب كان يتبع ايضا مع ( كورد قارداشلار ) في
حرب تركيا مع قبرص عام 1974 كما اتبع قبلها بعقود وقرون،
وقرأنا وسمعنا ماذا جناه الكورد فيما بعد ولحد الآن من
إخوانهم ( ترك قارداشلار ) وقواتهم الصاعقة ومن الآخرين.!
لقد توسمنا
في السيد اردوغان وصحبه الكرام خيرا، وقلنا ربما نزع ما في
صدورهم من غل ليلا ونهارا، وإن مرحلة حكمهم تتصف بالجرأة في
الإصلاحات بشكل يختلف عمن سبقوهم في شيع الأولين الذين اصروا
على نظرية ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
) في إلإضطهاد ومنع اللسان الكوردي عن الإفصاح والكتابة
بالطباعة والمداد.. ولعل عهد إشاعة روح " متى استعبدتم الناس
وقد ولدتهم امهاتهم احرارا " بدأ، كي لا تصير حالهم كحال الذين
إنتكسوا من قبل، والذين كان لسان حالهم يقول ( إنا أطعنا
سادتنا وكبراءنا، فأضَّلونا السبيل ).. وبالتالي نكون ( إخوانا
على سرر متقابلين ) في الدنيا قبل يوم الدين
.
وبذا يحدث شئ من إلإنقلاب ولو على مضض على الافكار الكمالية
المتزمتة، إنطلاقا من القاعدة الكونية ( لا إكراه في الدين )
والتي تعني في إطارها الاوسع ان لا إكراه في فرض لغة بعينها
ولا في فرض تقاليد أو اسماء في المواليد، وإزالة المظالم
والتداعيات التي تولدت عن تلكم المفاهيم الشوفينية التي سكرت
ابصارهم عن رؤية الحقوق والحقائق سواء كانت من الكبريات أو
الرقائق، تلكم التي مازالت آثارها تنعكس سلبا على كل شعوب
المنطقة وتظهر مخالبها بمرور الساعات والدقائق.
لكن ..إذا
بات الأمر على هذه الشاكلة المزرية ومات، ولم يُرَ أي أمل في
افق المستقبل المنظور في البلاد، فلمَ إلقاء اللوم والعَتَب
على الشعوب المقهورة حين تنفصم عن الآخرين وتنفصلْ أو تضحي بكل
ما لديه دون أن يخجل أو يَوْجَلْ.. فهل القدر فرَضَ الصبر
الجميلَ على شعوب دون شعوب، تحت نير غدر الأقارب العقارب، كي
لا يُتهموا بالعمالة والخيانة في الراحة او عند النوائب ؟!
ألم يعلموا
ـ وخطابي هنا موجه خصيصا للإخوة الأتراك ـ بان لصبر ( كورد
قارداشلار ) حدودا وإن ربهم المنتقم من الجلادين والعنصريين
يُمهل ولا يُهمل كما فعل مع قائد الضرورة ـ القابع في السجن
الآن ـ الذي ألهاه الأمل في دنيا الانفال والقتل والدجل.؟
ثم هل ثمة
في الدنيا مادة افضل مما ورد في الفصل الاول من كتاب الكون
المقروء : ( فامساك بمعروف او تسريح باحسان ) لشعب ظُلم من
أخيه الإنسان سواء في تركيا أو بقية البلدان..؟!
|