ليس من
االصعب ان يتکلم الانسان عن تاريخ نظام صدام الدموي والذي کان
من الهمجيه بحيث جعل من شعب العراق محروما من کل أشکال الحياة
و ذليلا وکان يصعب على ألأنسان العراقي أن ينام ليله واحدة في
هدوء ،لا أريد هنا أن أتکلم کثيرا عن ذلک الماضي لأن ما کتب و
شوهد من أشکال القمع و الاستهانة بحياة الانسان کبير ومفزع
بحيث يصعب على الکثيرين أن يحلله و يفهمه وذلک لقسوته
العجيبه،بل أريد هنا أن أشخص جزءيه صغيره من ما يحصل الان وهو
خطر جدا وأنتهاک لکل الحقوق الأنسانيه.
لقد
ورثنا حقبه من الزمن غنيه جدا بمباديء العنف والقتل وعدم
الأستماع الى الرأي المختلف،کانت فتره إنتاج لشکل من أشکال
العقد الأجتماعي أساسه عدم قبول الاخر،ولم تکن للحريه الشخصيه
أي معنى أو مجال وکل القوانين کانت مسخره لخدمه ترويض الأضطهاد
وفهمه على أنه حقيقه أنسانيه وأقصد هنا بالأضطهاد کل أنواعه
،الطبقيه،القوميه،عدم إعطاء الانسان الحق في إختيار نمط حياته
و أفکاره. کان الفرد يتربى منذ طفولته على مجموعه من المفاهيم
أکثرها شيوعا هي الکراهيه للغير،أعني هنا بالغير (المختلف أما
قوميا أو مذهبياأو سياسيا)،وکان النتاج الأجتماعي لذلک العقد
الأجتماعي هو مجتمعا منهارا،سمات التواصل بين أفرادها
معدومه،غير متجانسه و يعيش في فقر مدقع إقتصاديا و إجتماعيا و
فکريا.
کان
النظام انذاک يهدف من خلال تلک المفاهيم الخرقاء أن يجعل من
إذلال الشعب وسيله بقاء کيانه السياسي القبيح.
في خضم
هذا الواقع المحزن والمرير ونتيجه لما حصل، حملوا شعب العراق
تراثا عنيفا مليء بالأحقاد والکراهيه و العنف وأصبحت کل
أفکار الديکتاتوريه معکوسة في واقع الحياة الأجتماعية وما کان
للأدب والفن أي هدف ما عدا تمجيد لتلک المفاهيم القاسية
وتبريرا لمعنى الاستبداد.
أما
الاحزاب المعارضة لذلک النظام (أقصد هنا الاحزاب الدينية
والقوميةخاصة)،کانت تحمل بين ثناياها نفس المفاهيم تقريبا مع
الأدعاء أحيانا ببعض المفاهيم الديمقراطية،لکن أسلوبها في
العمل السياسي وأفکارها کانا يوحيان بأن المسألة ما هي الا
صراع دموي على السلطة.کان النظام غير ميال لأي إتجاه مذهمي أو
فکري ،بل کان يستخدم کل شيء من أجل إبقاء نظامه السياسي وحتى
حروبه الغريبة کانت تصب في السبب نفسه أي تقوية السلطة.
أکثر
الأشياء رهبة نماه النظام الشمولي هي فکرة تقديس الفرد وصنميته
وحيث جعل المجتمع خاءفا من النقد ولا يحمل في طياته (أي
المجتمع)نواة تکوين موءسسات جماهيرية أومدنية،وکان المجتـمع
مجبرا يکرر کالببغاءمفاهيم النظآم التسلطية وحيث أنحرم لسنين
من کل شىء.
أن
العنف الذي أنتجته ماکنة القمع الدموية في زمن صدام ،راکمت
براکين من الغضب البشري والتي کانت تنتظر الأنفجارالعفوي بدون
أي طرح بديل للواقع المأساوي الذي کان يعيشه الأنسان،فقط تنتظر
لحظة ا؛لأنتقام،ولأن المعارضة وبالأخص الدينية منها
(الأسلامية)هي معارضة غير عقلانية في الأساس،کانت تنتطر بفارغ
الصبر للأستفادة من هذه المشاعر لتقوية نفوذها و سطوتها في
المجتمع.
وما أن
سقط الصنم (کما يقال) بدأت تظهر دلاءل العنف المضاد المغذى
بأبشع أنواع الفکر اللاهوتي،حيث أصبح الهدف هو الأنتقام من
الماضي بکل أشکاله وأفراده،وأصبح الذبح والقتل شيێان طبيعيان
بين الأفراد المختلفون طاءفيا وقوميا،ولا أريد هنا بالطبع أن
أستغفل جانب مهم من الموضوع وهو دور المشروع السياسي الفاشل
الذي جاء به الأمريکيون للعراق وهو تقسيم المجتمع على أسس
إثنية وطاءفية .
في ضوء
کل هذا کان على الناس ولحد الان وبسبب العنف المضاد أن
يرجعوا إلى محمياتهم الصغيرة کالطاءفةوالعشيرةوالقبيلة،وذلک
لحماية أنفسهم من العنف المضاد،فتلاشت معالم الدولة والقوانين
والمفاهيم الأنسانية.
هنا
بدأ ت الفتاوى الدينية القاتلة تنهال على الناس وکعادتها تحرض
على الدم وکل حسب طاءفته ،وبدأ العنف مجنونا کأنه يريد حرق کل
شيء وقد حرقوا فعلا کل شيء ،لم يکن الأنتقام من ثلاثين سنة
فقط،بل من الماضي کله،حتى القوانين الشبه مدنية ،مثل قانون
الأحوال الشخصية لسنة1959بدأوا بتغييره وسن قوانين رجعية بل
غارقة في وحل التاريخ القديم والمراد من هذا کله في رأيي على
الأقل هو سلخ الأنسان من إنسانيته وجعله عبدا ذليلا لأفکارهم
الظلامية والطاءفية وهکذا أصبح الفرد عدوا لجاره وزميله في
العمل وصديقه بسبب تلک الفتاوى المميتة.
أن
خوفي هو ليس في حالة اللحظة فقط،بالرغم من بشاعته و قسوته على
التراث الأنساني ،بل خوفي الأکبر هو تحول أفکار العماءم
السوداء والبيضاء معا إلى قوانين ودستور يحکم مستقبل هذا الشعب
ويحوله إلى جحيم داءم،وکما رأينا في تجارب التآريخ،وبالفعل ومن
خلال الصفقات السياسية المقززة أستطاعوا أن يلغوا المدنية
والتي کانت في الأساس هشة جدا بسبب عقلية النظام الديکتاتوري
السابق.
بما أن
الدکتاتور لم يعطي المجال لأي منتدى ثقافي أو أجتماعي فقد
أصبحت الجوامع والحسينيات المنتدى الوحيد للألتقاء الجماعي بين
الناس ،فقد أصبح من الجنون التکلم عن مجتمع،بل إن کلمة مجتمع
لا تناسب الواقع الحالي،بل طواءف وشعوب متناحرة و متنازعة.
أن
أمل تکوين أمة عراقية يکون فيها التقسيم فکري و إجتماعي بات
ضربا من الخيال،بل إن القبلية بکل أفکارها السخيفة في أوج
عظمتها الان فه العراق و إن إبقاء هذه الثقافة بين الناس
سيجعل من الثأر والعنف والقتل مفاهيم ساءدة وستبقى دولة
القبيلة والطاءفة ولا يکون هناک أي مجالا لدولة القانون
والموءسسات وسيبقى السيف والساطور معلقا على أعناق
الجميع،لأننا نعيش زمن نظام الفتاوى القذر،ومن سخريات القدر
إن أصحاب الفتاوى هم من أصحاب الملايين والمفتى لهم لا يملکون
حتى رغيف العيش و أن التقسيم الطبقي موجود وبشکل فاحش بين
الأثنين.
لا
أريد أن أذکر هنا الحقوق المکتسبة في التآريخ الإنساني وما
يخص العدل الإجتماعي والمرأةوإلغاء معالم العنصرية وبكل
أشکالها،لأن الغوص في هذا المجال سيجعلنا نتألم کثيرا،فقد
نهضت أفکار الجزيرة من غفوتها وجعلت من الفروق شاسعة جدا وخاصة
بين الرجل والمرأة،حيث تمثل المرأة ربع الرجل سياسيا (يا لها
من حقوق)کذلک التشريعات تتناقض کليا مع دولة المواطنة،حيث
تتدخل الشريعة الإسلامية في کبريات الإمور وصغاءرها،ومقولة
الدين لڵه والوطن للجميع أصبح کذبة کبرى.
إن من
يتمعن ولو قليلا في ملامح الساسة الجدد يرى في معالمهم بأنهم
لا يحملون أي بديل إجتماعي للماضي،بل إنهم الماضي نفسه،لا
أتکلم هنا عن مسألة الخدمات أو الأساسيات التي يحتاجها
الإنسان ،بل أتکلم عما يحملونه من أفکار للمجتمع،إنهم يحملون
للأسف أفکار الأموات(ضحايا و جلادين معا)وهذا مکمن الخطر،لأن
صدام کان الجلاد فقط.وکما يقول مارکس:إنني أخاف أفکار الأموات
أکثر من الأحياء.
جاء
وقت إعدام الدکتاتور صدام والکل يترقب وينتظر کيف ستتعامل
التيارات الدينية وغير الدينية مع الحدث،وبالفعل رأينا مقاطع
صغيرة من لحظات إعدامه،لکن تلک اللحظات کانت کبيرة المعاني،حيث
کانت ثقافة الإنتقام الأعمى الوحيد الموجود في القاعة،لم تکن
هناک لا قوانين ولا مواثيق دولية،ولم يکن إقرار حق لمجتمع
نال ما ناله من قمع،بل إنتقام طآءفي مقيت،حيث إن المحاکمة کانت
في بدايتها،لقد عرفت في تلک اللحظة بأننا في الهبوط نحو
الهاوية.
في تلک
اللحظة لم يلبسوا بتاتا ثوب الدولة والموءسسات،بل و کأننا في
مرحلة قبل مقدمة إبن خلدون،والتي فيها محاولة للتخلص من
القبلية.
في
رأيي لا تبنى الدولة المدنية بهکذا أشخاص وهکذا عقول،وما
الکلام عن الديمقراطية إلا الضحک على الفقراء،فقد أتفقت کل
الدکتاتوريات ،البعثية والدينية بکل أشکالها وطواءفها والغزاة
،إتفقوا هولاء جميعا على تدمير الإنسان وجعله يفقد الأمل
بالحياة ويراه ظلاما داکن في السواد.
إن
الإعدام في رأيي کان مقارنة همجية بين دکتاتوريتين،دکتاتورية
صدام الوحشية و دکتاتورية الاسلام السياسي الوحشية أيضا.
کنت
لحد الإسبوع الماضي مع عقوبة الإعدام،کنت مع تصفية الدکتاتور
عن طريق المحاکم،لکنني غيرت رأيي بالکامل و أيقنت إن الإعدام
وسيلة همجية للتصفية، إن الإنتقام من الدکتاتورية هو بالتخلص
من أشکال ممارساته،وما يحصل الآن هو شکل من أبشع أةواع
الدکتاتورية.
|