للسجون عمق ماساوي في الذاكرة الكردية، ليس لانه سجن فقط، بل
لآنه المكان التي تبدا منها رحلة الكردي الى العذاب وقلع
الاضافر وكوي الجسد، ومن ثم الرحلة اللانهاية الى الفناء في
الصحارى الجنوبية الغربية من العراق، اذن السجن بداية رحلة الى
الفقدان، ولهذا فالذاكرة الكردية المثقولة بالام الرحلة الى
النهاية، تجد في السجن بداية نقطة النهاية. رغم هذا التاريخ
المليء بالدم، الا ان السجن عند الانسان الكردي لم تتغير،
تغيير الجلادون، ولم تتغير السجون، تغييرت الالوان، ولم تتغير
الجدران.
اذن السلطة والسجن مرادفان في الذاكرة الكردية، ولهذا فالسلطة
الكردية التي تولت الحكم بعد انتفاضة أذار لم تستطع بسبب ارثها
الماضي ودخولها في الصراع الداخلي من مسح تلك الصورة في
الذهنية الكردية، بل بالعكس ساهم وبشكل فعال في تأصيلها
وتعميقها بسسب الحرب الداخلي ومن ثم الانتهاكات المستمرة لحقوق
الانسان الكردي وبشكل يومي، بحيث اصبحت مدار حديث الصحافة
العالمية و وكالات الانباء، بل وكما اشار تقرير للوزارة
الخارجية الامريكيةن فأن انواع اساليب التعذيب تمارس في سجون
الاقليم، وعمليات اختفاء وخطف المناوئين السياسيين، وتهديد
الصحفيينء اخافتهم وارهابهم.
ما دفعني للكتابة عن السجن الكردي، هو خبر نشرتها جريدة
(جاودير) في السليمانية جاء فيها ان وزارة حقوق الانسان في
حكومة اقليم كردستان بصدد تقديم شكوى لرئيس الوزراء حول عدم
سماح ادارة سجن (ئاكرى) لدخول وفد من الوزارة لمعاينة شؤون
السجناء والوضع الانساني في السجن المشهور بـ (باستيل
الاكراد)، فالقصة اكثر من غريبة، وزارة حكومية تشكو من ادارة
سجن من المفترض ان تكون حكومية، اذن ان السجن ليسا حكوميا!
وهنا ستكون السؤال هو السجن لمن ومن هو المسؤل عنها؟ لاشك
بأنها خاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، اذن فهل من
المعقول ان تكون هناك سجن خارج سيطرة الدولة والحكومة؟ في حين
ان الحكومة الكردية تنادي ليلا ونهارا بدولة المؤسسات وحماية
حقوق الانسان؟ هل يعقل ان تكون هناك سجن يسيطر عليها حزب واحد؟
ومن هم الموجودن داخل اسوارها؟ هل يعقل ان تكون هناك سجن خارج
سيطرة الحكومة، هذا في الوقت التي تراس الحكومة احد ابرز
قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني، بل ان رئيس اقليم كردستان
هو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني؟
والان اعادني ذاكرتي الى احد ايام خريف عام (1996) حيث سيطر
الحزب الديمقراطي الكردستاني بمعاونة الجيش العراقي على مدينة
اربيل، وقامت شرطة البلدية بحملة تنظيف للمدينة طالت الباعة
المتجولين شارع شيخ الله وسط المدينة، حيث قامت الشرطة بالقاء
القبض على احد الباعة المتجولين وكان يعاني من تخلف عقلي، وبعد
القاء القبض عليه، راح يصيح بأعلى صوته:" لاتأخذوني الى ئاكرى،
رجاء لاتأخذوني الى ئاكرى، يا ايها الناس انقذوني انهم
يأخذونني الى ئاكرى".
هذا المشهد الكوميدي التراجيدي ظل يراودني لسنوات والى الان،
ومازلت اتذكر صوته وهلعه من السجن الشهير، رغم ان المحتجزين
كانوا يحتجزون لساعات فقط في مبنى شرطة البلدية في نفس الشارع.
اذن الذاكرة الكردية المثقلة بمشاعر الرعب من السجن، تعيد
انتاج ذاتها عبر التاريخ بشكل اخر مغاير، وهذه المرة السجن
كردي والجلادون اكراد.
اتذكر الان ما صرحت بها السيدة هانيه المفتي لوكالات الانباء
قبل عدة اشهر عندما تم الحديث عن السجون الكردية، حيث قالت:"
انها شجعت القادة السياسيين الاكراد لتعين لجنة مستقلة لمراجعة
قضايا جميع هؤلاء المحتجزين"، وتابعت تقول:" انها لا تقول
افتحوا ابواب السجون، ولكن بدلا من ذلك اقترحنا تهيئة الاليات
التي تسمح ما يستحقه كل محتجز وتقرير مصيره وتحديد لماذا وكيف
تم احتجاز كل واحد منهم والى متى وتحت أي ظروف".
وبحسب تقرير نشرتها جريدة النيويورك تايمز قبل عدة اسابيع، فان
المسؤولين الاكراد لم يطوروا لحد الان مثل هذه السياسة، اذ ان
السجون الكردية كما اشارت الجريدة عبارة عن مستودع لخزن الناس.
|