في کرکوك تزوج فرات من دجلة  
فهمي کاکه‌ يي
fahmikakaee@yahoo.se

 

 بعيدا عن کوردستانية کرکوك أو عراقيتها، بعيدا عن کونها مدينة التآخي و التعايش القومي و الديني، بعيدا عن کونها قلب کوردستان أو قدسها، ففي هذه المدينة تزوج فرات من دجلة، و عندما تزوج فرات من دجلة ألهمتني هذه الزيجة أن أکتب أوبريتا للأطفال في نهاية السبعينيات بعنوان (مخاض دجلة و الفرات) باللغة الکوردية و نشرت في مجلة شمس کوردستان التي کانت تصدر آنذاك من دار الثقافة الکوردية في بغداد. دجلة و الفرات هذان النهران العظيمان ينبعان من شمال کوردستان، هل هناك من تعليق؟

لا حاجة بنا لأن نکون معلمي مادة العلوم لنشرح دورة المياه في الطبيعة، فالغالبية المتعلمة تعرف ذلك، لکن والدتي کانت تصرخ ( يا شاي شنروي)* عندما کانت تسمع صوت رعيد البرق، إعتقادا منها بأن واحدا من الصحابی السبعة من مجموعة (هفت تن)** حسب مثيلوجيا الکاکائية هو المسؤول عن الرعد و البرق و الأمطار، کما هو الحال في مثيلوجيا دول الشمال*** حيث أن إله الرعد و البرق هو (تور) و کما هو الحال مع المثيلوجيا الهندية و الإله (إندرا) و لا عجب في ذلك فالکورد و الإسکندنافيين و الهنود هم من الشعوب الهندوأوروبية و يرجع أصلهم جميعا إلی يافث بن نوح عليه السلام حيث رسی سفينته علی جبل جودي حسب القرآن و علی جبل آرارات حسب الإنجيل و کلاهما يقعان في کوردستان، هل هناك من تعليق؟

 دجلة و الفرات کانتا سحابتان ربيعيتان في سماء کوردستان واحدة موجبة و الأخری سالبة، وقعتا في غرام بعضهما فکان وعدهما اللقاء علی الأرض، و ما أن تعانقتا حتی أنهمرتا مطرا غزيرا علی تلك الأرض المقدسة، أرض نوح عليه السلام. و بدأتا المسيرة، مسيرة البحث عن اللقاء، ذلك اللقاء الذي لم يتم إلا في الغربة، الغربة التي لم تحتملاها، فکان دعائهما و مناجاتهما للشمس عسی أن تحولهما إلی سحابتان تحلقان في السماء و ترجعان إلی أرض الآباء و الأجداد لکي تبدأ مسيرة العشق الأبدي، و کانت دورة المياه في الطبيعة، دورة عشق فرات لدجلة و دجلة لفرات قد بدأت من الأرض الطيبة، الأرض التي زرع فيها القمح لأول مرة في تأريخ البشرية،من أرض کوردستان، هل هناك من تعليق؟

 

*        *        *

فرات کان جارنا، کان شابا أسمرا وسيما، يکبرنا بعدد من السنين، و لأن والده کان من المحاربين القدماء فقد قبل في الکلية العسکرية و تخرج برتبة ملازم أول، کان عربيا، لکنه لم يکن من عرب التعريب، حاله حال الأخوين فليح و سفيح (بتشديد الياء في الإسمين)، کنا کوردا، کنا عربا، کنا ترکمانا، کنا آشووريين و کنا نحب بعضنا. آه، لقد نسيت جمعة شنين (بتشديد الياء في شنين) کان من خيرة أصدقائنا، ها إنني أحاول أن أملك دموعي قبل أن تنسکب، لأکتب: لقد أعدموه، أعدموه لأنه کان عضوا في حزب الدعوة. تصور أن يعدم صديقك و أنت في ريعان شبابك؟

دجلة کانت أيضآ جارتنا، فتاة سمراء يافعة. دجلة کانت إبنة عم فرات، و کنا نحن الشباب ننتظر بفارغ الصبر أن يلتقي فرات بدجلة، کان هذا يهمنا أکثر من أي شيئ آخر، کان يهمنا حتی أکثر من دجلة و فرات نفسيهما، لا تسألني کيف و لماذا، فليس لدي جواب، إن هذه کانت أمنيتنا، بل کان حلمنا الکبير. ذات يوم تحقق الحلم و تزوج فرات من دجلة، تصوروا لقد تزوجا في کرکوك، من قال أن الأحلام لا تتحق؟

 ذات يوم، عندما أعود إلی کرکوك، عندها أريد أن ألتقي بفرات و دجلة، أريد أن ألتقي بفليح و سفيح، أما جمعة فإنني ما زلت أحتفظ بصورة تجمعنا سوية أخذت لنا في کرکوك و هي معي الآن هنا في بلاد الصقيع، جمعة و هو في العقد الثاني من عمره.

تصوروا لقد نسيت (ع. م)، کان قد إنتقل من أحدی قری الحويجة إلی حيينا، کان إنسانا طيبا و من عائلة فقيرة الحال. ذات يوم کان مهموما جدا، دعاني و صديق ترکماني  لکي يروي لنا خبرا مهما و خطيرا جدا حسب تصوره، کان واضحا أنه يخجل من أن يرويه لنا، کان بمثابة إعتراف، فقد قال : أنا صديقکم و لا أريد أن أخونکم، لذا فإنني سأروي لکم الحقيقة لکي لا تعاتبوني لاحقا، لقد إنضممت إلی حزب البعث، کنت مجبرا، و ذلك لکي أحصل علی عمل، فأنتم تعرفون حال العائلة، إنني أخجل من نفسي لأن هذا حدث قبل ثلاثة أيام و أنا لم أروه لکم إلا الآن.

هذا هو الموزائيك الکرکوکي، فبالهداوة يا ساسة، بالهداوة يا سادة، بالهداوة يا من تدعون العلم و الثقافة، أيها الکتاب من شاهري الأقلام و کأنها سيوف، رفقا بنا نحن أهل کرکوك، رفقا بمشترك جراحاتنا النازفة، لقد عشنا و سوف نعيش سوية، بغض النظر عـما تؤول عليه الأمور، بغض النظر فيما إذا ألحقت کرکوك بکوردستان أم لا، نحن أهل کرکوك صاحب الجرح و دافع الضريبة، هل من تعليق؟

 

السويد

 

 

 

* شنروي، جبل مقدس لدی الکاکائيين، يقع في هورامان قريبا من حلبجة، کلمة (شا أو الشاه) هنا تأتي بمعنی مالك، أي يا مالك شنروي، و القصد هو السلطان إسحاق البرزنجي المولود في برزنجة في القرن السابع للهجرة، و هو مجدد و مقنن اليارسانية (الکاکائية) و إبن الشيخ عيسی البرزنجي.

** هفت تن، أي السبعة المقدسة لدی الکاکائيين، و هم کل من البير(الشيخ): بنيامين، داود، موسی، مصطفی،رمزبار(والدة سلطان إسحاق)، إبراهيم و بابا يادکار.

*** دول الشمال: السويد، دانمارك، النرويج، فنلندة و إيسلاند.

           

 

04/07/2007

 

goran@dengekan.com

 

dangakan@yahoo.ca