أتابع منذ فترة كتابات الدكتورة وفاء سلطان، و خاصة التي
تنشرها في صحيفة الحوار المتمدن . ونظرا لأهمية المواضيع التي
تثيرها السيدة وفاء رغبتُ في إبداء بعض التعقيبات على الأفكار
التي تطرحها و تروّج لها، بدون أن أقصدها شخصيا التى اكن لها
كل الاحترام كامرأة جريئة في ارائها.
إن ّ نظرة سريعة على كتاباتها بشكل عام، بغض النظر عما فيها من
أفكار و طروحات جيدة و معطيات حقيقية و خاصة في مجال علم النفس
و التربية و السلوك , وما تتضمن من نقد الحكام الدكتاتورين في
منطقة الشرق الأوسط وفضحهم، كالطاغية صدام حسين (الابن الضال
للولايات المتحدة) و الرئيس ياسر عرفات و اختلاساته و فضائحه
في سرقة أموال الشعب و أمور أخرى.
لكن هنالك أفكار و آراء خطرة تروجها السيدة وفاء ، منها
التركيز على نقد الإسلام كدين وعقيدة، وليس النظر إلى الدين
بما فيه الإسلام بشكل عام كبنية فوقية للمجتمع والتي هي بدورها
نتاج للبنية التحتية ، أو النظام الاقتصادي الذي يحدد البنية
الفوقية خلال العلاقات الاجتماعية و السياسية و الثقافية و من
ضمنها الدين . و قد كان الدين دائما و على مرّ العصور البشرية
أداة مهمة بيد السلطات والقوى الحاكمة في قمع الشعوب واخماد
احتجاجاتهم وفرض وترسيخ الواقع المأساوي الموجود، والعلاقات
الطبقية عليهم، والترويج بان هذا الواقع إنما هو من مشيئة الله
، إذ توجب أن يكون هنالك فقراء و أغنياء في المجتمع وأن ّ على
الفقراء التحمل والصبر، و عليهم عبادة الحاكم والله لكي ينعموا
بالجنة في الآخرة .
بشكل خاص تركز السيدة وفاء على معاداة الدين الإسلامي كدين بدل
التركيز على الإسلام السياسي أو الإرهاب الإسلامي الذي أصبح
ينتشر كخلايا سرطانية في جميع أنحاء العالم.
إن تصاعد الحركات الإسلامية السياسية وخاصة بعد أحداث 11 أيلول
و اغراق البشرية في أبشع الحروب الدامية وأفظعها فتكا ودمارا
جراء الصراع بين الإرهاب الأمريكي و الإرهاب الإسلامي و انعدام
الشعور بالطمأنينة والأمن والأمان في أية بقعة في العالم ,
وجعل الشرق الأوسط (العراق, أفغانستان, جنوب لبنان, فلسطين)
ميادين حروب ومعارك.
و يجب أن لا ننسى بأنّ الإرهاب الإسلامي هو صنيعة الولايات
المتحدة وهي التي خلقت أسامة بن لادن ومجاميعه الارهابية إبّان
الحرب الباردة لمواجهة القطب الشرقي - الشيوعي – من اجل اسقاطه
لتكون هي الشرطي الوحيد التي سيحكم العالم و بدون منافس .
ان احد نتائج الحرب ضد الإرهاب هو تصاعد الحركات العنصرية في
الدول الغربية ضد الجاليات الأجنبية، والتي تجلت في الأعمال
الاحتجاجية العنيفة في الأحياء السكنية الفقيرة في فرنسا ضد
الممارسات العنصرية والاضطهاد الطبقي , وبرزت أيضا أثناء
الأزمة الكبيرة التي حصلت في الدانمرك إثر الرسوم
الكاريكاتورية لرسول المسلمين، و ما جلبته من ويلات على
الجالية الأجنبية، و من توسيع الهوة بين المواطن الأصلي و
الأجانب، و اشتداد الحقد و الكراهية بينهم . ومن أكثر النتائج
السلبية في الحملة العالمية للولايات المتحدة ضد الإرهاب و
الصراع ما بين تلك القطبين كان دفع الشباب الاجنبيى - الجيل
الثاني من الاجانب - إلى التمسك بالدين الإسلامي ، و ذلك ليس
من اجل الدين، بل لإثبات شخصيتهم وذواتهم، التي رأوا أنها
مهددة من قبل أوساط غربية عنصرية .
نتيجة ما يسمى بالحرب على الارهاب دفعت الشابات إلى ارتداء
الحجاب لإثبات ذواتهنما وقبولها الدور الدونى للمرأة مما أدى
إلى تعرض الجاليات الشرقية وخاصة المسلمة للتمييز أكثر، وإلى
ضياع فرص كبيرة للحصول على عمل، أو دراسات جدّية مفيدة و
ابتعادهم عن المجتمع و تحطيمهم نفسيا . مما ادى الى خلق جيل
متسم بالعنف بين الجاليات الأجنبية مشحون بالأحقاد و الكراهية
ضد المواطنين الأصليين ، و القيام بأعمال شغب و التخريب كرد
فعل على التمييز الممارَس ضدهم في المجتمع.
كذلك إعطاء حرية كبيرة للحكومات في تلك الدول الغربية للتطاول
على الحقوق الفردية و المدنية للأفراد و ذلك بالتنصّت
والمراقبة والتجسس وشدّ الخناق بذريعة حمايتهم من الإرهاب
الإسلامي.
تشير الدكتورة إلى الانتهاكات التي مارسها رسول المسلمين محمد
قبل 1400 سنة بالزواج من طفلة في عمر التاسعة , ما يضطرنا أن
نتساءل إن هي مشكلة العالم اليوم تكمن في كيف اغتصب محمد فتاة
بعمر أحفاده , و ماذا عن الفقر والجوع و الانتهاكات التي تحصل
اليوم في ظل تلك القوانين – الديمقراطية - التي تتباهى بها
الدكتورة الفاضلة ، في التجارة بالأطفال و النساء في الدول
الفقيرة والاتجار بهم في تلك الدول ,أو ظاهرة اغتصاب الأطفال
بشكل فظيع , ومازالت المرأة تباع وتشترى من قبل عصابات الرقيق
ويسود استغلالها والتحرش بها جنسيا ولايمكننا ان ننسى فضيحة
الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون و موظفة البيت الأبيض
الشابة مونيكا، في دولة عظمى هى المثل الاعلى للدكتورة وفاء.
وعن أيّ تمدن تتحدث وما زال التمييز الجنسي ضد المرأة في أقصى
درجاته, حيث الإحصائيات تشير بان عددا كبيرا من النساء في
امريكا يتعرضن للضرب الجسدي من قبل الرجل و العنف النفسي؟
وطلعت علينا السيدة وفاء بانتقادها الرجل المسلم بأنه لا يعرف
أن يحترم رأي الأخر، في قولها:
(إذاً يتمّ تصنيف البشر وفقا للعقيدة الإسلاميّة إٍلى قسمين:
قسم مؤمن يقاتل في سبيل الله وقسم كافر يقاتل في سبيل الشيطان،
وصراع المسلمين المؤمنين مع غير المسلمين الكافرين هو في حقيقة
الأمر صراع بين الله والشيطان).
ولم تتطرق إلى موقف بوش المقيت في حربه على الإرهاب عندما قسّم
العالم إلى محور الشرّ و محور الخير , إذ أن ّ منْ لم يكن مع
سياسات بوش فهو مع محور الشر و من معه هو مع محور الخير ,اتسأل
ما الاختلاف في المنطقين؟
تشير السيدة وفاء وأكثر من مرة بتباهي و افتخار إلى القانون و
المجتمع الأمريكي في ضمان حقوق الفرد الكاملة و حرياته،
بقولها:
(القانون الأمريكي يضمن للفرد جميع حقوقه وحريّاته. من ضمنها
وأهمّها حريّة الكلام والتعبير، لكنّ التربيّة الأمريكيّة ترفع
إنسانها إلى المستوى الأخلاقي الذي يهيئه لممارسة حريّته
الشخصيّة دون أن يتعدّى على حريّات الآخرين.)
لا اعرف عن أي مجتمع طوباوي تتحدث سيدتنا، هل المجتمع الذي لحد
الآن يمارس فيه التمييز العنصري ضد الزنوج والملونيين والذي
تجلى بشكل واضح في أحداث أعصار كاترينا. لقد كان ذاك دليلا
كافيا على ما يعانيه جزء كبير من الشعب الأمريكي من التمييز
وتدنى الظروف الاجتماعية والاقتصادية ، و في ظل دولة تصرف
ميزانية خيالية في حروبها على الشعوب الأخرى، فأين احترام حقوق
الفرد عندما وقف ملايين الأمريكيين، و ملايين الشرفاء في
العالم ضد الحرب على العراق ؟ و لكن الولايات المتحدة لم تحسب
حسابا لأحد، بل شنت حربها على العراق تحت ذريعة اسقاط النظام
الدكتاتوري وهدمت بنية المجتمع العراقي، و جلبت الاحزاب
الطائفية الإسلامية والقومية لتحكم العراق على أسس و قوانين
الشريعة الإسلامية وفرض قوانين مجحفة بحق المرأة العراقية و
سلب كافة حقوقها و تعرضها للخطف والاهانة.
أي قانون هذا تفتخر به السيدة وفاء و لحد الآن تمارَس عقوبة
الإعدام ، وهي سلب حقوق الإنسان في الحياة في جنة الولايات
المتحدة؟
تتحدث الدكتورة وفاء كثيرا عن التربية في الدول الإسلامية و
تعليم الأطفال الذبح و القتل ولكن الاعلام الاميركي الهابط
بقتواته وأفلامه يروج للحروب والقتل وقوة الجبروت الامريكي
العنيف و لاننسى ما نشر من منظر بشع ومقزز على جميع شاشات
التلفزة وامام أعين جميع الأطفال بشنق الطاغية صدام حسين و في
ظل سياسات الدولة الأمريكية التي تدعى الدكتورة بأنها دولة
القانون و احترام حقوق الإفراد.
أليست الدولة التي تتباهى بها السيدة وفاء هي الدولة التي –
أجبرت!- الملايين من الجنود على المشاركة في الحروب الدامية في
العراق و أفغانستان و ذلك بإغرائهم بالحصول على عمل أو فرصة
للدراسة؟
اما حول تاييدها المعلن للدولة اسرائيل
حيث تقول في احد مواضيعها :
خلق اسرائيل في المنطقة لم يساهم في كبح جماح الإرهاب الإسلامي
الموجّه ضدّ الغرب وحسب، بل ساهم في كبح جماح ارهابهم ضدّ
أنفسهم!
لقد لعبت اسرائيل ومازالت تلعب دور شرطي المنطقة. ولولاها لنتف
العرب بعضهم .
اسرائيل تلك الدولة الدينية المتعصبة والتى بقواننينها -
اليهودية - تشابه اي حكم- اسلامي- في المنطقة , الدولة التى
مارست اشد اشكال التميز بحق المواطنين الفلسطنيين واشاعت اجواء
الحرب الدمار الوحشي باحدث الاسلحة الامريكية والذي كان موضع
ادانه المنظمات الدولية لعشرات السنين. السياسات العدوانية
الاسرائيلية المدعومة امريكيا هي احد الذرائع ومصدر تغذية
وادامة الارهاب الاسلامي في المنطقة .
تروج الكاتبة في بعض من كتاباتها للمسيحية مع احترامي لعقيدة
أي شخص طالما لم تتسيس ولم تُفرض على الآخرين باعتناقها
حيث تقول:
( المسيحيّة كلغة أثبتت صلاحيّتها لخلق انسان مهذّب، خلوق،
منتج،
المسيحيّة كتعاليم استهوتني، بل سحرتني لأنها، أولا وأخيرا
توافقت مع منطقي العلمي والعملي )
لماذا لا ننظر إلى الدين كشأن شخصي و نبعده عن شؤون إدارة
المجتمع؟ ولماذا لا نعمل بكل جهدنا على فصل الدين عن الدولة
ونبشر بمجتمع علماني, حيث الفرد يُعرَّف بهويته الإنسانية و
ليس بهويته الدينية أو القومية؟
تتباهى السيدة بالهوية الأمريكية وتقول بأنها أمريكية أكثر من
الأمريكي نفسه:
(نعم أنا أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه! فالذي يولد في
النار يعرف قيمة الجنة أكثر مما يعرفها الذي ولد فيها!
أنا أعرف قيمة أمريكا أكثر مما يعرفها أيّ مواطن أمريكي آخر.)
ذكرتني العبارة اعلاه بموقف سيدة أمريكية عظيمة تدعى (... )
قابلتها قبل سنتين في احدى الجلسات عند إحدى صديقاتي
الدانمركيات ، وبدا لي أن صديقتي الدانمركية كانت ترغب كثيرا
أن تعرّفني على تلك السيدة.
وعند مقابلتها أتت السيدة الأمريكية و جلست أمامي و مسكت يدي
الاثنتين، و بعد التعارف قالت لي ، إنّها تخجل من نفسها أمامي
لكونها أمريكية، و ذلك بسبب ما جلبته أمريكا من ويلات على
الشعب العراقي والمنطقة ، و أنا من العراق و نزلت الدموع من
عينيها . وإنني لن أنسى قط هذا المنظر الإنساني من امرأة
تكبرني بعشرين سنة،تعبيرها عن خجلها كونها أمريكية و الآن تأتي
السيدة وفاء مفتخرة بكونها أمريكية أكثر من الأمريكي نفسه . و
لماذا الافتخار بقومية معينة ؟ ولماذا نمجّد الهوية القومية ؟
أليس جميلا تعريف الإنسان بهويته الإنسانية و ما قدمه ويقدمه
في سبيل البشرية ، بدل التمجيد بالهويات القومية والدينية التي
تزرع روح العنصرية والكراهية ضد القوميات والاديان الأخرى؟؟؟
-
ناشطة نسائية - يسارية من العراق
- منسقة المركز التقدمي لدراسات وابحاث مساواة المرأة
P.C.W.E.S.R
http://www.wr.rezgar.com
- عضوة هيئة ادارة الحوار المتمدن
- متخصصة في علوم الكومبيوتر
|